في الذكرى ال 26 لعيد العرش.. قراءة رقمية في واقع المغرب خلال ربع قرن

في غمرة احتفالات المغاربة، من طنجة إلى لكويرة، وفي مختلف بلاد المهجر، بالذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، ومع هذه الذكرى يبدأ المراقبون والإعلاميون في استعراض دلالات الحدث، واستحضار أبرز منجزات العاهل الكريم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية، الخ. من جهتنا، اخترنا أن نوسع دائرة المراجعة، عبر محاولة عقد مقارنة رقمية لواقع الأوضاع في المغرب خلال ربع القرن الماضي، كيف كانت عند استلام جلالة الملك الحكم مع نهاية القرن الماضي، وتحديدا في عام 1999 (او أقرب إحصائية له)، وكيف أصبحت عام 2024 (أرقام 2025 لا تظهر قبل بداية العام المقبل)، أي بعد ربع قرن بالتمام والكمال. ولأن مؤشرات الرصد تستعصي على الحصر، ارتأينا أن نتطرق لأبرزها، والتي يقاس بها عادة مدى تحقيق أهداف التنمية البشرية، ومدى متانة الوضع الاقتصادي، وأهم انعكاساته على حياة الناس، ناهيك عن أبرز الأرقام المتعلقة بالحياة الثقافية والرياضية، والتي تؤشر على مدى الرفاه الذي يعيشه المغرب.
هذا الاستعراض الرقمي لا يهمل المؤشرات الكيفية، المتعلقة بمكانة المغرب إقليميا وقاريا ودوليا؛ والتغيرات الهيكلية العميقة التي طالت الحياة السياسية؛ والنقلة الجبارة التي تمت على صعيد تحقيق الأمن للمواطن المغربي، بتحصين الوطن خارجيا وداخليا؛ ناهيك عن التقدم الهائل في كسب المغرب لرهان تحصين وحدته الترابية؛ دون نسيان دسترة الأمازيغية؛ مراجعة مدونة الأسرة مرتين؛ وغيرها من المؤشرات المتعلقة بالكيف وليس الكم. كما لا نغفل، أن هذه الأرقام تمثل المتوسط الذي لا يجب أن ينسينا أن هناك فروقا في كل رقم، بين الواقع في المناطق الحضرية والقروية، رغم إقرار الجميع بحصول تطور كبير على الصعيدين وإن بشكل متفاوت، وهو الامر المتوقع، الذي تعمل السلطات المغربية، وبمتابعة ملكية حثيثة، على تغييره لتقليص الفجوة بين العالمين.
الحياة السياسية:
خلال عهد الملك محمد السادس، تم إقفال ملف الاعتقال السياسي، وإقرار دستور ديمقراطي متقدم، وانتظام الانتخابات واحترام نتائجها من قبل جميع الفرقاء، وهي حالة نادرة ويتيمة، في عالمنا العربي على الأقل. انتخابات جلبت إلى مقاعد المسؤولية مختلف الحساسيات السياسية من اشتراكيين إلى لبراليين، مرورا بالإسلاميين، وهو ما منح المغرب الاستقرار السياسي الذي زاد من جاذبيته الاقتصادية لدى المستثمرين الأجانب، كون هذا الاستقرار يمثل حالة فريدة في مجمل الشمال الأفريقي. وبالعودة إلى القضية الوطنية، والتزاما بمنهج المقارنات الرقمية، يكفي أن نعرف أن عدد الدول التي كانت تعترف بمرتزقة البوليساريو و”جمهورية تندوف” الوهمية كان في حدود 76 دولة عام 1999، تقلصت حاليا إلى قرابة 28، منها 17 بلدا تعتبر اعترافاتها شكلية وباردة، وتحتفظ بعلاقات ودية مع المغرب، وهي سائرة في إطار سحب اعترافاتها من “ربيبة الجزائر”. هذا يعني أن هناك قرابة 40 دولة نجح المغرب في دفعها لتصحيح موقفها، بينما أسهمت المقاربة الملكية، لاسيما في أفريقيا إلى تقليص العدد الفعلي بقرابة 65 دولة!

المؤشرات الديمغرافية:
وهي معطيات من المفيد أن نمهد من خلالها للأرقام المتعلقة بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فقد كان عدد سكان المغرب عام 1999 في حدود 28.7 مليون نسمة، أصبحت العام الماضي في حدود 37.8 (+31.7%). أما العمر المتوقع للمغاربة فقد ارتفع من حوالي 67 سنة إلى حدود 77 سنة، نتيجة تقدم الوضع الصحي. أما نسبة سكان المناطق الحضرية (مقابل القروية) فقد كان في حدود 53% عام 1999، وأصبح الآن في حدود 65% (+21.9%). في المقابل تراجعت نسبة الخصوبة من 3.3 طفل/ امرأة إلى حدود 2.3 طفلا.
الحياة الاقتصادية:
هذا المجال ربما كان الأبرز من الناحية الرقمية، بسبب قابليته للقياس، واتضاح أثره مباشرة، حيث -كما هو متداول- أن الأرقام “لا تكذب”. وسنكتفي بإيراد أبرز الأمثلة سريعا وبشكل مختصر، تاركين للقراء فرصة التأمل في هذه الأرقام لإدراك حجم الإنجاز الذي تحقق خلال عهد الملك محمد السادس. والبداية مع الناتج المحلي الإجمالي GDP والذي كان يبلغ 42 مليار دولار عام 1999، ليرتفع إلى 154.4 مليارا مع نهاية العام الماضي، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 270%. أما نصيب الفرد المغربي من هذا الناتج المحلي فقد كان يقدر بحوالي 1500 دولار سنويا عام 1999، ارتفع إلى حوالي 3800 دولار العام الماضي (+153%). أما البطالة فقد تحسنت من حوالي 22% إلى حدود 13%. وبالنسبة للصادرات، فقد ارتفعت من حوالي 7.3 مليار دولار عام 1999، إلى قرابة 50 مليار دولار في 2024، بزيادة مقدارها 574%!! أما احتياطي بنك المغرب من العملة الصعبة فقد انتقل من 4.5 مليار دولار عام 1999 (تغطي 3.5 شهرا من الواردات) إلى حدود 36.2 مليارا (تغطي قرابة 7 أشهر من الواردات. هذا التغير الذي يزيد عن +704% أمكن تحقيقه عبر زيادة الصادرات المذكورة آنفا؛ زيادة تحويلات المهاجرين من 1.8 مليار دولار عام 1999 إلى حدود 11.2 مليارا العام الماضي (+522%)؛ ارتفاع الاستثمار الأجنبي كمتوسط سنوي من 0.4 مليار دولار عام 1999 إلى 12 مليارا عام 2024؛ وأخيرا زيادة مداخيل السياحة من 2 مليار دولار عام 1999 إلى أزيد من 11 مليارا العام الماضي.
وبالانتقال إلى رصد الأرقام قطاعيا، سنكتفي بضرب بعض الأمثلة. فقد ارتفع إنتاج الفوسفات الخام من 19 مليون طن عام 1999 إلى 38.1 مليون طن عام 2024 (الضعف)، تم تصدير ما قيمته 1.2 مليار دولار عام 1999، قبل أن تصبح الصادرات في هذا القطاع الحيوي 10.3مليارا في 2023 (تراجعت إلى 8.7 مليار دولار العام الماضي)، وفي كلتا الحالتين هو يمثل زيادة هائلة. وبالنسبة للقطاع الفلاحي فقد بلغ إنتاجه عام 1999 ما مقداره 6.5 مليار دولار، صدر منها حوالي 1 مليارا، مقارنة مع إنتاج يتجاوز 13.5 مليار دولار وصادرات بقيمة 4.2 مليارا في 2024. غير بعيد عن ذلك، فقد كانت منتجات الصيد البحري تتجاوز 590 ألف طن عام 1999، صدر منها ما قيمته 400 مليون دولار، بينما تجاوزت العام الماضي 1.46 مليون طن إنتاجا، و2.6 مليار دولار تصديرا (+550%)، وذلك بسبب انتقال الأسطول من 3000 سفينة إلى قرابة 17000 سفينة بين العامين المذكورين (+463%). ونختم أخيرا بقطاع السياحة، فقد قفز عدد السياح من 4.2 مليون سائح، جلبوا للبلاد ما مقداره 1.6 مليار دولار عام 1999، إلى ما مجموعه 17.4 مليون سائح، جلبوا مداخيل بقيمة 11.2 مليار دولار مع نهاية العام الماضي.

ونختم بإلقاء نظرة على تطور البنية التحتية الذي مهد الطريق لكل ما سبق من أرقام. ولنبدأ من حيث انتهينا، بالسياحة، حيث انتقل عدد الغرف الفندقية المصنفة من 80 ألف غرفة عام 1999 إلى 220 ألف غرفة العام الماضي، وزاد عدد المنتجعات السياحية بين العامين المذكورين من 12 منتجعا إلى 42 منتجعا. وبالنسبة للطاقات المتجددة (الشمس والرياح) وبعد أن كانت شبه معدومة عام 1999، أصبحت تؤمن للمغرب اليوم ما يزيد على 4500 ميغاوات. أما عدد السدود الكبرى في المغرب، فقد واصل الملك محمد السادس نهج والده المغفور له الملك الحسن الثاني، وهو ما رفع العدد من 90 سدا كبيرا عام 1999 إلى 152 سدا كبيرا عام 2024 (بمعدل بناء 2.5 سدا كبيرا كل سنة)، وهو ما رفع السعة التخزينية لهذه السدود من 14 مليار متر مكعب من المياه عام 1999 إلى قرابة 20 مليار متر مكعب عام 2024. وبخصوص قطاع المواصلات، فقد انتقلت شبكة الطرق السريعة في عهد الملك محمد السادس من قرابة 100 كلم عام 1999 إلى أزيد من 1900 كلم العام الماضي، أي بزيادة مقدارها +1800%!! أما شبكة السكك الحديدية فقد انتقلت من 1900 كلم إلى 2300 كلم بين العامين المذكورين، مع برمجة مشاريع حالية من شأنها مضاعفة المساحة التي تغطيها هذه الشبكة مع نهاية العقد؛ هذا دون نسيان التطور الفريد مغربيا على المستوى القاري المتمثل في القطار فائق السرعة، الذي يربط حاليا بين مدينتي طنجة والدار البيضاء، ومن المنتظر وصوله إلى مراكش فأكادير قبل عام 2030. ونختم بالبنية المينائية، التي انتقلت سعتها من 515 ألف حاوية عام 1999 إلى 10.1 مليون حاوية العام الماضي، بفضل العملاق ميناء طنجة المتوسط؛ وينتظر أن تسهم مشاريع مواني الناظور والدار البيضاء الجديد والعيون والداخلة (دون الحديث عن القنيطرة وغيرها) بإضافة سعة مينائية تزيد على 9 ملايين حاوية أخرى.
المجالات الاجتماعية:
سنكتفي هنا بالتعريج سريعا على أهم الأرقام الخاصة بالصحة والتعليم. فقد انتقل عدد مقاعد الدراسة العمومية من 5.2 مليون مقعد عام 1999 إلى 8.9 مليونا العام الماضي، وذلك بسبب تطور عدد المؤسسات التعليمية من 8000 مؤسسة عام 1999 إلى 12500 مؤسسة العام الماضي. وبخصوص أمية من تزيد أعمارهم على 15 سنة، فقد انتقلت من 54% إلى 29.6%؛ وتواكب ذلك مع رفع نسبة التمدرس في الابتدائي من 62% إلى 95.4%. وبخصوص التعليم الجامعي، ارتفع عدد الجامعات من 14 جامعة عام 1999 إلى 26 جامعة العام الماضي.. وفي نفس الفترة، انتقل عدد المستشفيات العمومية من 120 مستشفى بطاقة 20000 سرير إلى 153 مستشفى بطاقة 42000 سرير. وخلال نفس الفترة انتقل عدد الأطباء من 12000 طبيب إلى 32500 طبيب؛ وانخفض عدد وفيات الأطفال تحت 5 سنوات من 60 طفلا/ 1000 إلى 16.8 طفلا/ 100 طفل؛ وانتقلت التغطية الصحية من 20% من السكان إلى 75% منهم. لكن، ورغم إيجابية هذه الأرقام، فإنها لا تحجب المشاكل والتحديات التي تواجه القطاعين، حيث أن كثيرا من هذه المعدلات لا تزال أقل من المعدلات العالمية، كما أن 70% من الأطباء يتمركزون في المدن، و80% من طلبة المرحلة الابتدائية لا يجيدون الرياضيات، وهي العقبات التي تمت برمجة حلول للتغلب عليها قبل نهاية 2030.

أما مجال الاهتمام الأكبر هنا، ونعني به الفقر، فيكفي أن نذكر ما جاء في تقرير “برنامج الامم المتحدة الإنمائي” 2023 لنعلم حجم الجهد المبذول: “لقد أنجز المغرب ثورة اجتماعية صامتة، لكن الطريق طويل لتحقيق عدالة مجالية”. لقد انتقل عدد الفقراء (من يعيشون بأقل من 1.6 دولار/ اليوم) من 22.8% من السكان عام 1999، إلى 2.8% عام 2024 (يعيشون بأقل من 5.5 دولار/ اليوم). وأصبح عدد من يعيشون بأقل من 1.9 دولار/ اليوم لا يتجاوز 0.4% من المغاربة.وللتفصيل، فمعدل الفقر الحضري هو 1.2% بينما يبلغ نظيره القروي 4.8%. هذا المعدل (2.8%) هو الأقل في شمال أفريقيا، مقارنة مع تونس (3.2%) ومصر (4.5%) والجزائر (5.1%)!! ويرجع الفضل في هذا التحسن إلى جملة من العوامل نذكر منها: برنامج التغطية الصحية الذي استفاد منه 8.5 مليون فقير؛ ارتفاع كهربة العالم القروي من 67% إلى 100%؛ تسهيل الوصول إلى الأسواق برفع طول الطرق الممهدة من 20 ألف كيلومتر إلى 60 ألفا؛ وغيرها.
الثقافة والترفيه:
نكتفي هنا بذكر بعض الأرقام، كعينة على التطور الذي شهدته هذه القطاعات. فقد انتقل عدد الملاعب الرسمية من 1200 ملعب عام 1999 إلى 3800 ملعب. أما ملاعب القرب (الأحياء) فشهدت طفرة أكبر (+740%) بالانتقال من 500 ملعب قرب إلى 4200 ملعب قرب. أما الصالات المغطاة فانتقلت من 150 صالة إلى 1100 صالة (+633%)، وانتقل عدد المسابح العمومية من 80 مسبحا إلى 320 مسبحا خلال الفترة المذكورة. أما قطاع الثقافة، فقد انتقلت -على سبيل المثال- الطاقة الاستيعابية لدور الشباب من 12000 سرير إلى 38000 سرير، وانتقل عدد المكتبات العمومية من 400 مكتبة إلى 1250 مكتبة، وعدد المتاحف من 25 متحفا إلى 86 متحفا، وذلك في الفترة ما بين 1999 و 2024.
إن سرد هذه الأرقام لا يهدف بحال من الأحوال إلى الترويج “لانتصارات نظرية” حققتها الحكومات المتعاقبة، بل للتدليل على مدى اهتمام جلالة الملك محمد السادس برعيته، وحرصه على الدفع بأعمال مختلف أجهزة الدولة لتحقيق ما فيه خير أبنائه، لا سيما في المناطق الأقل حظا في الثروة والتنمية. ورغم إيجابية هذه الأرقام الشديدة، فإن المسؤولين المغاربة، أسوة بقدوتهم الملك محمد السادس، لا يستنكفون عن رصد، والاعتراف -دون مكابرة-، ووضع خطط للعلاج، لجميع أوجه الخلل والقصور في القطاعات التي يشرفون عليها، وذلك في ظل محدودية الموارد المغربية (ولو إلى حين) والصعوبات الظرفية التي تعرقل بعض البرامج (أزمة كورونا وحرب أوكرانيا كأمثلة).
إن الأجيال التي نشأت خلال عهد الملك محمد السادس، والمقدر عددها ب 16.7 مليون مغربي (حوالي 44% من مجموع السكان)، يحتاجون أكثر من غيرهم للاطلاع على أوضاع بلادهم قبل ربع قرن، والقفزات الهائلة التي حققتها في مختلف الميادين، والتي تبرر لكل مغربي ومغربية (خلاف معظم سكان الجوار والمنطقة العربية) أن ينظر إلى المستقبل بتفاؤل، لجهة قدرتهم على تكرار معجزات ربع القرن الماضي، خلال ربع القرن المقبل، والإيمان بقدرة بلادهم على التحول إلى اقتصاد ناشئ، ودولة ذات وزن قاري وعالمي يحسب حسابه، كما هو العهد بالمملكة الشريفة عبر تاريخها الطويل المشرف.
1 thought on “في الذكرى ال 26 لعيد العرش.. قراءة رقمية في واقع المغرب خلال ربع قرن”