The Portuguese Tank in El Jadida: From Arms Depot to Artistic Masterpiece

portugese tank1

يقع الخزان البرتغالي في قلب المدينة العتيقة للجديدة بالمغرب، وهو معلم تاريخي فريد من نوعه يروي قصصاً من ماضٍ عريق. يعود تاريخ بنائه إلى عام 1514 من قبل البرتغاليين الذين أسسوا مدينة “مازاغان” (الاسم القديم للجديدة). لم يكن الخزان مخصصاً في البداية لتخزين المياه، بل كان مستودعاً للأسلحة يخدم الحامية العسكرية البرتغالية. بعد سقوط مدينة أكادير في يد السعديين عام 1541، عزز البرتغاليون دفاعات مازاغان، وحولوا هذا المستودع إلى خزان للمياه لضمان إمداد المدينة بالماء في حال الحصار، مما يعكس ذكاءً هندسياً استراتيجياً.

شُيد الخزان على مساحة مربعة الشكل بأبعاد تقارب 34 متراً × 34 متراً، ويُغطى بسقف مقبب ترتكز عليه ستة صفوف من الأعمدة والأقواس القوطية الأنيقة، التي يصل عددها إلى 25 عمودًا. هذا التصميم المعماري الفريد يسمح لأشعة الشمس بالتسلل من فتحة دائرية في السقف، لتنعكس على المياه الساكنة التي تغطي أرضية الخزان، مما يخلق مشهدًا ساحرًا من الظلال والانعكاسات. هذه اللوحة الفنية الطبيعية هي التي حولت الخزان من مجرد هيكل دفاعي إلى معلم سياحي لا مثيل له، تم إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2004.

الحي البرتغالي: إطار يحكي التاريخ

الحي البرتغالي بالجديدة

الخزان البرتغالي ليس مجرد بناء منفصل، بل هو جزء لا يتجزأ من حي تاريخي عريق يُعرف باسم المدينة البرتغالية. هذا الحي، الذي بُني بين عامي 1514 and1769، يمثل تحفة معمارية عسكرية من عصر النهضة. فهو يحيط بالقلعة البرتغالية، وقد صمم البرتغاليون أسواره وأبوابه بعناية فائقة لتوفير حماية قصوى ضد الهجمات.

يتميز هذا الحي بشوارعه الضيقة والمتعرجة، ومبانيه ذات الطابع الأوروبي القديم التي ما تزال تحتفظ بملامحها التاريخية. التجول في أزقة المدينة البرتغالية هو أشبه برحلة عبر الزمن، حيث يشعر الزائر وكأنه يعود إلى القرون الوسطى. هذا الإطار التاريخي هو الذي منح الخزان البرتغالي أهميته الكبيرة، فبدونه سيكون مجرد بناء منعزل، ولكن بوجوده ضمن هذا الحي، يصبح الخزان رمزًا للحياة التي كانت تنبض في هذا المكان، ويقدم قصة متكاملة عن تاريخ المدينة وعلاقتها بالبرتغاليين.

عطيل.. وشاعرية المكان 🎬

تكمن شهرة الخزان البرتغالي العالمية في ارتباطه بعبقري السينما أورسون ويلز. فخلال بحثه عن أماكن مناسبة لتصوير فيلمه الشهير “عطيل” (1952) المقتبس من مسرحية شكسبير، اكتشف ويلز سحر هذا المكان وأجواءه الغامضة. لقد كان الخزان، بمياهه الهادئة وأعمدته المظلمة، يجسد تماماً الحالة النفسية للشخصيات ويضيف عمقاً درامياً للمشاهد. قصة اختيار ويلز للخزان لا تخلو من الصدفة، فقد كان المخرج يعاني من ضائقة مالية خلال فترة التصوير، مما اضطره للتصوير في مواقع مختلفة في المغرب وإيطاليا. وعندما وقعت عيناه على الخزان البرتغالي في الجديدة، أدرك على الفور أنه المكان المثالي لتصوير المشاهد التي تتطلب أجواءً من الشك والظلام.

استخدم ويلز انعكاسات الأعمدة على المياه لتعزيز الإحساس بالاضطراب والهلوسة الذي كان يعاني منه عطيل بعد دسيسة ياغو. تلك المشاهد التي صورها داخل الخزان تعتبر من أكثر اللحظات شاعرية في تاريخ السينما. ورغم الصعوبات المالية والإنتاجية التي واجهها الفيلم، فإنه حقق نجاحًا كبيرًا وفاز بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1952، مما زاد من شهرة الخزان البرتغالي كرمز للفن والإبداع.

واليوم، أصبح الخزان وجهة لا غنى عنها للسياح وعشاق التاريخ والسينما، حيث يتيح للزائرين فرصة فريدة للغوص في أعماق التاريخ، وتخيل المشاهد السينمائية التي خلدها أورسون ويلز في هذا المكان الساحر.

About the author

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *