Morocco Ignites the Electric Car Revolution: Industry on the Road and a Race for Leadership

شهد المغرب خلال العقدين الأخيرين تحولًا نوعيًا في بنيته الصناعية، فمن بلد يكاد يخلو من الصناعة الثقيلة إلى قوة صناعية عربية وإفريقية تُصدّر مئات الآلاف من السيارات سنويًا إلى أوروبا، بفضل تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتطور البنية التحتية، فضلًا عن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة الذي يمنحها موقعًا تنافسيًا في سلاسل التوريد العالمية.
وهذا النجاح المغربي الاستثنائي لا يقف عند حدود إنتاج السيارات التقليدية، بل يستعد الآن لاختبار جديد وهو دخول عصر السيارات الكهربائية. فهل يستطيع المغرب الحفاظ على تفوقه الصناعي في زمن التحول الأخضر والتقنيات الذكية؟
رحلة التصنيع المغربية: من الحلم إلى الواقع
حين نتحدث عن صناعة السيارات في المغرب اليوم ، فاننا نتحدث عن صناعة تمثل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد المغربي، حيث تساهم بما يعادل 22% من الناتج المحلي الإجمالي، وتُدرّ عائدات تصديرية تفوق 14 مليار دولار سنويًا. ومنذ انطلاقتها الفعلية عام 2008، حين لم تكن المملكة تصدّر أي مركبة، شهد القطاع نموًا تصاعديًا لافتًا، ليبلغ حجم الإنتاج السنوي أكثر من 700 ألف وحدة على ان ترتفع الى مليون هذا العام 2025، وسيكون الاتحاد الأوروبي الوجهة الرئيسة لصادرات القطاع .كما يعمل في القطاع اكثر من 260 شركة تشغل ما يناهز 230 الف عامل ، وبهذا الأداء، تفوّق المغرب على كل من الصين والهند واليابان كأول مموّن للسوق الأوروبية من خارج القارة.
إن هذا التحول الصناعي في المغرب لم يكن نتاجًا لعوامل ظرفية، بل نتيجة مباشرة لاعتماد المغرب، منذ سنة 2014، استراتيجية تصنيع وطنية ذات طابع بنيوي. وقد ارتكزت هذه الاستراتيجية على تنويع القاعدة الاقتصادية وتقليص الاعتماد التقليدي على القطاعات الهشة كالفلاحة والسياحة، من خلال تحفيز الاستثمار الإنتاجي. حيث شملت محاورها الأساسية تطوير البنية التحتية الصناعية واللوجستية، وتعزيز جاذبية مناخ الأعمال عبر حوافز ضريبية وتنظيمية، ما مكّن من جذب رؤوس أموال أجنبية وتحفيز التصنيع الموجه للتصدير.
البنية التحتية كرافعة للتنافسية
شكّلت البنية التحتية المتطورة ركيزة أساسية في تعزيز موقع المغرب كمركز صناعي ريادي في مجال صناعة السيارات. فقد واكب التوجه نحو التصنيع استثمارٌ واسع النطاق في شبكات النقل والموانئ، وفي مقدمتها ميناء طنجة المتوسط، الذي يُعد من بين الأكثر تطورًا على مستوى البحر الأبيض المتوسط. وساهمت المناطق الصناعية المتخصصة، مثل “طنجة أوتوموتيف سيتي”، والمناطق الحرة، في توفير بيئة إنتاجية مواتية تتميز بالكفاءة العالية، ما ساعد على خفض التكاليف اللوجستية وتعزيز القدرة التصديرية.
كما أدّت شبكات الطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية المخصصة لنقل البضائع دورًا محوريًا في ربط وحدات الإنتاج بالموانئ والأسواق العالمية، ما عزز من جاذبية المملكة لدى كبار المستثمرين الدوليين. وقد مكنت هذه البنية المتكاملة من استقطاب عدد من أبرز الفاعلين في صناعة السيارات، من بينهم “رونو”، و”ستيلانتيس”، و“BYD”، و”فولفو”، و”نيسان”، و”جاغوار”، و”رولز رويس”، الذين استفادوا من سرعة وسلاسة الربط اللوجستي بين وحدات التصنيع ونقاط التصدير.ومنانسيابية النقل وسرعته بين المصانع والموانئ.
كما اعلنت شركة تسلا الأمريكية للسيارات الكهربائية عن تأسيس فرع لها بالمغرب تحت اسم “تسلا المغرب”، بهدف تعزيز حضورها الإقليمي في المملكة، عبر تسويق سياراتها..، برأسمال يبلغ 27.5 مليون درهم (2.75 مليون دولار)”.ومن المنتظر أن تعمل الشركة على استيراد وتوزيع وبيع وصيانة السيارات الكهربائية داخل المغرب، بالإضافة الى اعتزام هذه الشركة نشر تقنياتها في مجال الطاقة الشمسية وتخزينها في المملكة، من خلال تشييد شبكة من محطات الشحن الكهربائية.
لقد لعبت البنية التحتية الحديثة والمتكاملة دورًا جوهريًا في توسّع صناعة السيارات في المغرب، وجعلته واحدًا من أبرز المراكز الصناعية في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. وجعلت من بعض المدن المغربية الرئيسة طنجة الدار البيضاء القنيطرة نموذجًا متقدمًا للتكامل الصناعي في إفريقيا، إذ تحتضن العشرات من الشركات المتخصصة في تصنيع مكونات السيارات، من المحركات والأنظمة الإلكترونية إلى المقاعد والعجلات، مما أسهم في رفع نسبة المكون المحلي إلى اكثر من 65%. ومن اهم هذه الشركات نذكر ، شركة “رونو” الفرنسيةاذ تشكل هذه الشركة العمود الفقري لصناعة السيارات المغربية، حيث تُشغّل عشرات الآلاف وتنتج معظم سيارات “داسيا سانديرو”، إحدى أكثر السيارات مبيعًا في أوروبا. ويُطلق مسؤولو الشركة على المغرب لقب “أرض سانديرو” “أرض سانديرو” هو “مصطلح يُطلق على المغرب، حيث تُنتج شركة رينو سيارة داسيا سانديرو بكميات كبيرة، مما يجعلها مركزًا لتصنيع هذه السيارة. هذا اللقب يعكس الدور الهام الذي يلعبه المغرب في صناعة هذه السيارة وتصديرها. ” كما يعكس هذا اللقب أهمية قطاع صناعة السيارات في المغرب، ، في إشارة إلى مركزية المملكة في سلاسل الإنتاج الخاصة بهم.
واليوم، تستعد “رونو” لإطلاق إنتاج سيارات هجينة من طراز “داسيا جوجر” في مصانعها المغربية، وهي خطوة تعكس ثقة الشركة في قدرة المغرب على مواكبة التحول نحو السيارات منخفضة الانبعاثات.
كلفة تشغيل منخفضة ومردودية عالية
رغم أن الأجور في المصانع المغربية تبقى منخفضة مقارنةً بمستويات الأجور في أوروبا، حيث تمثل حوالي ربع الحد الأدنى للأجور في فرنسا، إلا أنها تظل مجزية نسبياً ضمن الإطار الاقتصادي المحلي. وعلى الرغم من أن حجم العمالة الصناعية لا يزال أدنى من العمالة الزراعية، إلا أن القطاع الصناعي يشكل بديلاً أساسياً يمتص جزءًا كبيرًا من القوة العاملة المتضررة من الجفاف المتكرر في المناطق الريفية. حيث يشغل القطاع الصناعي حالياً نحو 220 ألف عامل، مقابل خسارة سنوية تتجاوز 200 ألف وظيفة في القطاع الزراعي، ما يجعله دعامة اقتصادية واجتماعية حيوية تدعم آلاف الأسر المغربية.
السيارات الكهربائية في المغرب: رافعة جديدة لتنويع الاقتصاد وتعزيز السيادة الصناعية
في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها قطاع التنقل عالمياً، يبرز التحوّل نحو السيارات الكهربائية كمجال تنافسي جديد، تراهن عليه المملكة المغربية لتعزيز تموقعها الصناعي على المدى البعيد. لم تعد هذه النقلة التقنية مجرّد ترف بيئي، بل باتت خياراً استراتيجياً لاقتصادات الجنوب التي تسعى إلى إعادة التموقع داخل سلاسل القيمة العالمية، من خلال استباق التحولات ودمج البعد الأخضر في التصنيع.
حسب رياض مزور وزير الصناعة والتجارة المغربي فان المغرب “يتجه المغرب لرفع قدرة إنتاج السيارات الكهربائية بنسبة 53% بنهاية العام الجاري2025 للوصول إلى 107 آلاف مركبة، بالتزامن مع تنويع أسواق التصدير بعيداً عن الاتحاد الأوروبي الذي يشهد ضعفاً في الطلب”.وفي هذا الصدد، تعمل المملكة بجهود مكثفة على جذب الاستثمارات في سلاسل التوريد المتعلقة بالسيارات الكهربائية، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، واستقرارها السياسي، إلى جانب نظامها التجاري المفتوح الذي يعزز من جاذبيتها كمركز صناعي وتكنولوجي إقليمي لتعزيز ريادته في صناعة السيارات .
ومع ذلك، فإن ما تحقق من إنجازات لا يعني بالضرورة أن المستقبل مضمون. فالعالم يشهد تحوّلًا متسارعًا نحو السيارات الكهربائية، بالتوازي مع تنامي الاعتماد على الأتمتة والذكاء الاصطناعي في سلاسل الإنتاج. وهو ما يطرح تحديًا جوهريًا: هل سيتمكّن المغرب من مواكبة هذا التحوّل العميق في صناعة السيارات؟
صناعة السيارات الكهربائية في المغرب: استثمار في الابتكار ونمو مستدام رغم التحديات التقنية
يشهد قطاع السيارات عالميًا تحوّلًا هيكليًا من المركبات التقليدية إلى الكهربائية، مصحوبًا بتبني واسع لتقنيات الأتمتة والذكاء الاصطناعي التي تعزز الكفاءة والجودة مع تقليل التكاليف. في هذا الإطار.فصادرات السيارات المغربية تبلغ نحو 700 ألف وحدة سنويًا، منها حاليًا 15% سيارات كهربائية، ما يعكس بداية التحول في هيكلة الإنتاج والتصدير نحو المركبات النظيفة. وتشير التوقعات إلى ارتفاع هذه النسبة إلى 40% بحلول عام 2030، وهو هدف يتطلب استثمارات ضخمة واستراتيجية متكاملة لتعزيز القدرات الصناعية. لذلك، خصصت المملكة حوالي 2 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة لتطوير البنية التحتية الصناعية والتكنولوجية، مع تركيز خاص على تصنيع مكونات أساسية مثل البطاريات والمحركات الكهربائية محليًا. هذا التوجه لا يهدف فقط إلى زيادة حجم الإنتاج، بل إلى ترسيخ القدرة التنافسية للمغرب ضمن سلاسل القيمة العالمية وتحقيق استقلالية أكبر في قطاع السيارات الكهربائية..
ويُعد الاستثمار في العنصر البشري من نقاط القوة الرئيسية، حيث تم تدريب أكثر من 10,000 تقني ومهندس من خلال معاهد متخصصة مثل أكاديمية “رونو” منذ تأسيسها في 2018. كما أطلقت الحكومة مبادرات لدعم الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، بموازنة تجاوزت 150 مليون دولار موجهة لتطوير البنية الرقمية والشراكات بين القطاعين العام والخاص، مما يسرع من تبني الحلول الذكية في الصناعة.
تجمع هذه الجهود بين الخبرة الصناعية المتراكمة والعمالة الماهرة، ما يؤهل المغرب لتصنيع مختلف طرازات السيارات الكهربائية مستقبلاً، وتعزيز موقعه كمركز صناعي تنافسي في الأسواق العالمية.
وتجدر الإشارة بهذا الخصوص ان المغرب تمكن من إنتاج أول سيارة محلية الصنع تحمل اسم “نيو”، وهي خطوة تعزز مكانة المملكة في صناعة السيارات. كما تم الكشف عن نموذج أولي لسيارة تعمل بالهيدروجين قام بتطويرها مواطن مغربي، مما يعزز علامة “صنع في المغرب” ويدعم مكانة المملكة كمنصة تنافسية في هذا المجال.
هذا الإنجاز يعكس تطور قطاع صناعة السيارات في المغرب، ويضع المملكة في مصاف الدول المنتجة للسيارات.
صعوبات وتحديات: سياسات الحماية الجديدة
يواجه المغرب تحديًا استراتيجيًا واقتصاديًا بالغ التعقيد، يتمثل في ضرورة التكيف السريع مع التحولات التكنولوجية والسوقية المتسارعة. يتزامن ذلك مع بيئة دولية تتميز بسياسات حماية تجارية صارمة، وحوافز تشجيعية لشراء السيارات الكهربائية المصنعة محليًا في الدول الغربية وأمريكا، ما يزيد من الضغوط على تنافسية الصادرات المغربية، لا سيما في السوق الأوروبية التي تمثل الوجهة الرئيسة لهذه الصادرات.
ومن هنا يأتي الادراك المغربي جيدًا وهو أن الحفاظ على موقعه الريادي في صناعة السيارات يتطلب نهجًا استباقيًا لا انتظارًا، فهو لا يكتفي بإنتاج السيارات التقليدية، بل يسعى بجدية إلى تحفيز الاستثمار في تصنيع البطاريات ومكونات المركبات الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير البحوث في مجال التنقل الذكي والنظيف.
ورغم صغر حجم السوق المحلية التي لم تتجاوز 162 ألف سيارة مباعة عام 2023، يظل التركيز منصبًا على التصدير والاستفادة من القرب الجغرافي للسوق الأوروبية، ما يجعل هذا المسار منطقيًا وواعدًا.وفي قلب هذه الاستراتيجية، يؤكد الوزير مزور أن الهدف الأسمى ليس مجرد زيادة التصدير أو المنافسة، بل هو خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة.
ومهما يكن من أمر، فإن تجربة المغرب في صناعة السيارات لا تمثل مجرد قصة نجاح اقتصادي، بل تُعد نموذجًا تنمويًا متكاملًا يجسد فعالية التخطيط الاستراتيجي، وجرأة التنفيذ، وحسن توظيف الموقع الجغرافي والرصيد البشري المؤهل. ومع تسارع التحول العالمي نحو المركبات الكهربائية، لم يعد السؤال المطروح يتمحور حول قدرة المغرب على مواكبة هذا التحول، بل حول الكيفية التي سيُحافظ بها على موقعه الريادي داخل صناعة تشهد تحولات تقنية وتنافسية متسارعة