Tindouf camps: a detention project run by Algerian intelligence

Tendouf camps

ميلود رقيق (فاعل سياسي و مهتم بقضايا الدبلوماسية الاستباقية)

في أقصى الجنوب الجزائري، وعلى تخوم الحدود المغربية، ترقد مأساة إنسانية طواها النسيان لأكثر من أربعة عقود،هناك، في مخيمات تندوف، يُحتجز آلاف الصحراويين في ظروف تُناقض كل المواثيق الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان واللاجئين.

تلك المخيمات التي يُفترض أن تكون فضاءً للحماية المؤقتة تحوّلت إلى فضاء مغلق خارج رقابة القانون الدولي، تُديره ميليشيات مسلّحة تدين بالولاء الكامل لجهاز المخابرات الجزائرية، في وضع استثنائي لا يقرّه أي إطار قانوني أو إنساني.

من الوهم إلى الاحتجاز: انحراف المفهوم

لم يعد توصيف سكان تندوف ب “اللاجئين” يعكس حقيقتهم، إذ تجاوزت أوضاعهم منذ زمن حدود اللجوء الإنساني إلى واقع أشبه بالاحتجاز القسري الممنهج والمغلّف بخطاب سياسي مُضلِّل. فالمخيمات التي يُفترض أن تكون تحت وصاية الدولة الجزائرية وفقاً لأحكام القانون الدولي، تخضع عملياً لسلطة المخابرات العسكرية الجزائرية التي تُحكم قبضتها على تفاصيل الحياة اليومية فيها، وتتحكم في تحركات السكان، وقرارات قيادات ما يُعرف بالبوليساريو.

إنها ليست مناطق لجوء، بل مناطق تُدار من خارج الدولة وبأوامر من داخل أجهزة الأمن، في نموذج صارخ لانحراف المفهوم الإنساني للجوء إلى أداة سياسية تُستعمل لتمديد نفوذ النظام العسكري في المنطقة.

تندوف اليوم ليست منطقة رمادية فحسب، بل منطقة مغلقة تحت إدارة استخباراتية عسكرية جزائرية مباشرة، تُنتهك فيها القوانين، ويُصادر فيها الحق في الحرية والكرامة، باسم قضية فقدت بعدها الإنساني منذ زمن طويل.

المفقودون والمقابر السرية: ذاكرة مثقلة بالصمت

تُوثّق شهادات ناجين وتقارير حقوقية مستقلة وجود مقابر جماعية داخل المخيمات وحولها، اكتُشف بعضها فيما بقي بعضها الآخر طي الكتمان.

عشرات العائلات ما زالت تبحث عن أبنائها المفقودين منذ ثمانينيات القرن الماضي دون أن تُفتح أي تحقيقات رسمية، ودون أن تُحاسب أي جهة.

الصور التي تحتفظ بها الأمهات ليست فقط ملامح غائبين؛ إنها شواهد دامغة على مأساة مُمنهجة وصمت رسمي متواطئ و بالأدلة الدامغة.

إحصاء السكان: سؤال بسيط… بإجابات خطيرة

رغم النداءات المتكررة من الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ترفض الجزائر وميليشيات البوليساريو السماح بأي إحصاء دقيق للسكان.

السبب واضح: كشف الأرقام الحقيقية سيُسقط القناع عن شبكات التلاعب بالمساعدات الدولية، وسيفضح أن كثيرين ممّن يُقدَّمون كـ”لاجئين” هم في الواقع محتجزون قسراً أو نُقلوا من مناطق ودول إفريقية مجاورة، في خرق صارخ للشرعية الإنسانية.

المساعدات الإنسانية… طريقها لا يصل إلى مستحقيها

تقارير أوروبية رسمية، من بينها تقرير مكتب مكافحة الغش التابع للاتحاد الأوروبي (OLAF)، كشفت عن عمليات اختلاس ممنهجة للمساعدات الدولية الموجهة إلى سكان المخيمات، تُحوّل إلى تجارة سوداء في الأسواق الجزائرية والموريتانية والمالية، بينما يواصل السكان معاناتهم في فقر مدقع، تحوّلت المساعدات إلى مصدر ثراء غير مشروع لقادة الميليشيات ونافذين داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية، ما أفرز اقتصاداً خفياً قائماً على الاتجار بالبؤس الإنساني تحت صمت المؤسسات الأمم والحقوقية. 

أطفال مخيمات تندوف… ضحايا التجنيد والتلقين الأيديولوجي

لم يسلم القاصرون من الانتهاكات، إذ تُوثّق منظمات دولية حالات تجنيد قسري للأطفال وتلقين أيديولوجي داخل معسكرات تدريب تمتد إلى الجزائر وكوبا وإيران .

إنها عملية مُمنهجة تهدف إلى صناعة جيل جديد من المقاتلين المؤدلجين، بعيداً عن رقابة الأسرة والمجتمع، في مخالفة فاضحة لاتفاقيات حماية الطفل.

التعتيم الإعلامي… وتزييف الصورة

تعيش تندوف تحت حصار إعلامي صارم يمنع وصول الصحافة المستقلة والمنظمات الحقوقية إليها ، ويُسمح فقط بتغطيات موجّهة لوسائل إعلام محسوبة على أطراف معينة، تُروّج لرواية أحادية تُقدّم البوليساريو كـ”ممثل شرعي”، فيما يُحجب الصوت الحقيقي للضحايا. في المقابل، تُموَّل حملات علاقات عامة دولية لتجميل صورة تُناقض الواقع القاسي على الأرض.

نداء لضمير العالم

بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، تبرز الحاجة إلى تحرّك دولي مسؤول لكسر جدار الصمت.

وندعو الأمم المتحدة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمات الحقوقية الدولية إلى فتح تحقيق شامل ومستقل يتناول:

 • الإحصاء الرسمي لسكان المخيمات تحت إشراف أممي؛

 • فتح ملفات المفقودين والمقابر السرية؛

 • تتبّع مسار المساعدات الإنسانية؛

 • توثيق جرائم تجنيد الأطفال؛

 • محاسبة كل الأطراف المتورطة في تحويل المخيمات إلى مناطق خارجة عن القانون.

إن استمرار الصمت الدولي ليس حياداً، بل تواطؤ غير مباشر في مأساة إنسانية طويلة الأمد.

لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لضحايا تندوف، ولإنهاء معاناة بشر يُحتجزون باسم قضية لم تعد سوى ذريعة لإدامة نفوذ نظام عسكري يخشى النور ويخاف الحقيقة .

ميلود رقيق

About the author

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *