Rachida Dati's Scream and the Beginning of a New Moroccan Narrative in Europe

bousouf7

د. عبد الله بوصوف

كتب: د. عبد الله بوصوف (مؤرخ، الامين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج)

لطالما افتخرنا كأي أمة عظيمة برجالاتها وأمجادها وسلاطينها  وملوكها الكرام، وأسهبنا طول الأرض وعرضها بالحديث عن إنجازات المغاربة في الداخل أو الخارج، سواء في مجال الجهاد البحري أو الرحالات أو السفراء من طينة بن عائشة وغيرهم،

ووقفنا ما يلزم من الوقت للحديث عن الشريف الإدريسي والحسن الوازن وحسن العطار، وغيرهم من المغاربة الذي ساهموا في تغيير العديد من مجريات التاريخ، بعلمهم الوفير وذكائهم  الوقاد.

كما أفردنا مساحات  كبيرة لمسارات مغاربة العالم المميزين والمبدعين والموهوبين في الوقت الحالي، ويكفي ذكر رشيد اليزمي ومنصف السلاوي وكوثر حفيظي وأسماء بوجيبار ونجاة بلقاسم ورشيدة داتي، ولائحة طويلة من عمداء المدن ورؤساء مختبرات علمية وسياسيين وإعلاميين في بلدان إقامتهم. وكان من حقنا ان نطلق العنان لخيالنا لنرسم صورا رائعة لكل هؤلاء وغيرهم من مغاربة العالم المتميزين والمبدعين، فهل كان يكفي أن نرسم بورتريهات جميلة ومتفائلة عن هؤلاء الموهوبين؟ ولماذا نتراجع خطوة الى الوراء عند كل حادث عنصري أو عنف غير مبرر ضد مغاربة العالم؟

أعتقد أن حادثة ”  توري باتشيكو ” بإسبانيا وما تعرض له مغاربة يشتغلون في حقول مورسيا وفنادقها من بلطجة وتهديد من طرف  اليمين المتطرف الاسباني فوكس، وكذا الرد القوي  للوزيرة رشيد داتي من داخل مؤسسة تشريعية، يدعونا لإعادة ترتيب أوراقنا والتفكير بكل جدية، لأن تلك الاحداث لا تنسب للصدفة الصرفة، بل هي حلقة صغيرة من صراع  وجودي وأيديولوجي كبير يتزعمه اليمين المتطرف في فرنسا وإيطاليا وألمانيا والنمسا وهنغاريا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا.

بالمقابل، لا يجب أن تدفعنا ضرورة إعادة صياغة أفكار جديدة  وسردية جديدة للتمادي في الانتقاد المجاني أو جلد الذات،

بل إن أطراف المعركة لا تخطئها  العين، فهي من جهة، سردية اليمين واليمين المتطرف واجندته السياسية وشعاراته بالحفاظ على الدين المسيحي والأسرة والبنية الديمغرافية الأوروبية والحدود السيادية، مقابل سردية إنجازات مغاربة العالم من جهة ثانية، بالتذكير  بكل ما يلزم  من إنجازات من  رحم المعاناة، والتعلق الشديد لمغاربة العالم بوشائج الهوية والثقافة المغربية، ودفاعهم عن المقدسات الوطنية والترابية ومغربية الصحراء، والمساهمة في التنمية والتضامن الاجتماعي.

وفي خضم هذا الحلم الجميل، تأتي صرخة الوزيرة رشيدة داتي من داخل مؤسسة تشريعية فرنسية عريقة، وقولها بكل قوة: ” أنا لست عاملة نظافة”! مع التذكير أن رشيدة داتي هي وزيرة لأكثر من مرة، وقيادية من الصف الأول في حزبها، وحملت حقائب وزارية وازنة كحاملة الاختام (وزارة العدل )، ووزارة الثقافة، أي الوصية على الثقافة والتراث الحضاري والثقافي والديني الفرنسي،

وفي نفس الأسبوع، ستتعرض نجاة بلقاسم وهي الوزيرة السابقة، لحملة قوية من طرف اليمين المتطرف، بعد تعيينها في منصب قضائي مرموق، مستبعدين معيار الاستحقاق  للسيدة نجاة بلقاسم.

لا أعتقد أن مغاربة العالم الذين اختاروا العمل السياسي والانخراط الحزبي والنقابي والإعلامي كانت طريقهم مفروشة بالورود، بل مقاومة يومية ومجهود مضاعف من أجل الاستمرار بالوقوف في وجه تيار اليمين المتطرف بأوروبا. لذلك، لا أعتقد أن مسارات  خديجة عريب مثلا بهولندا، أو فؤاد أحيدار ببلجيكا،  حادت عن مساحة الصراع وإثبات الذات، إذ هناك العديد من هذه العينة التي صمدت في وجه اليمين  المتطرف، وبصمت بالنجاح، وأخرى تأخرت أو تراجعت نتيجة مضايقات اليمين المتطرف وآلته الإعلامية الرهيبة.

لذلك نحتاج اليوم لكل نخب المغرب والأقلام  والمؤثرين بالخارج،  من أجل الانخراط في عمل جماعي لصياغة سردية  مغربية جديدة، تقارع سردية اليمين المتطرف بأوروبا. كما يجب قبول النقد الذاتي الإيجابي والبناء، لأننا لم نستطع لحد الآن الحصول على عدد كافي من الأعمال الفكرية والأدبية، تنتصر  لمسارات إيجابية لكل مغاربة العالم، بدءا  من ابن بطوطة والأزموري وغيرهم، مرورا بكل تلك الاحتفالات الباهتة التي تقام على شرف الجنود المغاربة المشاركين في الحرب العالمية الثانية لتحرير أوروبا من الفاشية والنازية.

أعتقد أن السردية الجديدة يجب أن تنطلق من إعادة مراسيم تلك الاحتفالات الفلكلورية التي تحتفظ بكليشهات تغذي المخيال الجماعي الأوروبي حول المغاربة، حيث يقف مجموعة من الشيوخ في ارذل العمر فخورين بنياشين الشجاعة على صدروهم، ينتظرون السلام على رئيس الدولة أو مسؤول كبير، في حين كان المفروض هو الاهتمام بوضعهم الصحي والمادي والقانوني أولا، لدورهم الكبير في التعجيل بسقوط الفاشية والنازية. كما يجب الاعتراف بالتقصير الجماعي في حق هؤلاء الابطال، إذ هي قليلة القصص وروايات بطولاتهم وتضحياتهم من أجل أوروبا ديمقراطية وحرة، وقليل هو عدد الوثائقيات والأفلام التي تحكي عن أبطال مغاربة، روت دمائهم أراضي وسهول وجبال أوروبا، وكانوا رفقاء خندق الحرية في حرب عالمية.

لقد كدنا أن نغرق في أدب مهجر يغرف من النوستالجيا، ويغذي -بدون قصد- بعض عناصر المخيال الأوروبي عن المهاجر المغربي المسلم. وهناك لائحة طويلة من الإنتاجات الفكرية والأدبية التي تتحدث عن بعض جوانب الحياة الأسرية والاجتماعية المغربية كانت موضوع جوائز أدبية أوروبية، لأن بعض اليمين المتطرف كان يحتاج فقط  إلى ” وشهد شاهد من أهلها..”! فهل كانت ستفوز رواية تتحدث مثلا عن بطولات ومواقف مغربية فاصلة في معادلة النصر  في الحرب العالمية الثانية؟ لا أعتقد ذلك، لأن ذات اليمين المتطرف وآلته الإعلامية ومجموعاته المالية والاقتصادية، والتي سماها بعض  الكتاب والباحثين في التاريخ المعاصر ب “سادة العالم”، لن يسمح بسردية جديدة تمجد دور آباء المهاجرين المغاربة أو الأفارقة في تخليص أوروبا من الفاشية والنازية،

وهو ما نلاحظه في إيطاليا مثلا مع أحداث “الماروكيناتي”، إذ لم نستطع هناك أيضا إنتاج سردية جديدة منافسة، بإمكانها تغليب دور “جنود القوم” المغاربة في معركة مونتي كاسينو سنة 1944، على عمليات اغتصاب جماعي عوقب فاعلوها سواء بالرمي بالرصاص في حينه أو عبر محاكمات قضائية، فالسردية الجديدة تقتضي إنصاف جنود مغاربة سقطوا بالآلاف في جبال إيطاليا، ووقفوا بصدور عارية وأسلحة خفيفة  أمام طيران ادولف هتلر، وقوات الفاشي موسوليني في وسط وشمال إيطاليا.

وواقعة “الماروكيناتي” تعتبر أحد أهم النقط الشائكة والواجبة التفكير، لأن اليمين المتطرف الإيطالي اشتغل على تغدية المخيال الجماعي المحلي، بأن المهاجر المغربي الحالي، هو ابن ذلك الجندي الذي قام بعمليات اغتصاب جماعي. وقد  تنوعت مجالات توظيفه لهذه الواقعة من  تقارير ودعاوى قضائية، إلى روايات وكتب، تحول بعضها الى فيلم ك “لا تشوتشارا”، من بطولة صوفيا لورين التي فازت عن دورها بأوسكار، هذا بالإضافة إلى عشرات الوثائقيات والأفلام القصيرة التي تتحدث عن مجموعة جنود  مغاربة كانت تأخد أوامرها من القيادة الفرنسية، لأن القوات المسلحة الملكية لم تؤسس  إلا في سنة 1956!!

لقد كانت صرخة  الوزيرة رشيدة داتي، تلك القطرة التي أفاضت الكأس. نعم، لقد انتهى ذلك الزمن، ونحن الآن في بداية عهد وطريق جديدين، يلزمنا أدوات جديدة. نعم، لقد انتهى زمن السردية الوحيدة، ويلزمنا كتابة جماعية لسردية تساهم فيها القوى الحية، الى جانب الفاعل الديني والسياسي والإعلامي والباحثون في علوم الاجتماع، وعنوانها: “رفقاء في الخندق شركاء في المواطنة” في بلدان الإقامة.

About the author

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *