الصحراء المغربية: بين صفعات الدبلوماسية المغربية، وهوس الجزائر “بتغريدة ترامب”

Boulus qnd Tebboune

تعد قضية الصحراء المغربية إحدى أطول النزاعات في القارة الإفريقية، وهي قضية تثير الكثير من الجدل على الساحة الدولية. وفي خضم هذا الجدل، يبرز موقف النظام الجزائري، الذي يبدو وكأنه يدور في حلقة مفرغة من المعارك الخاسرة، محاولًا التبخيس من أهمية الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء. هذه الاعترافات، التي تتوالى بشكل متسارع، تمثل صفعات دبلوماسية قوية للنظام الجزائري، الذي يصر على تجاهل الواقع وتزوير الحقائق. وفي هذا السياق، سنقوم بتحليل موقف النظام الجزائري، وتفنيد ادعاءاته، معززين ذلك بالحقائق والأرقام التي لا تقبل الجدل، لنثبت أن هذا النظام يصارع طواحين الهواء، وأن رهانه على تغيير مواقف الدول الكبرى هو رهان خاسر.

وهم “تغريدة” ترامب: هوس جزائري بلا نهاية

يُعتبر الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، الذي تم في ديسمبر 2020، نقطة تحول حاسمة في مسار القضية. ولكن، بدلاً من التعامل مع هذا الاعتراف بجدية، اختار النظام الجزائري وإعلامه الدعائي التعامل معه بتهكم، واصفًا إياه بأنه مجرد “تغريدة” على منصة إكس (تويتر سابقًا) للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذا الوصف الساخر، الذي أثار سخرية الجزائريين قبل غيرهم، لم يكن إلا محاولة بائسة للتخفيف من وطأة الصدمة التي أحدثها الاعتراف.

لقد تجاهل النظام الجزائري كل الحقائق التي تؤكد رسوخ هذا الاعتراف، بدءًا من قرار فتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة، مرورًا بالبيانات الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية التي تؤكد دعمها لمغربية الصحراء، وصولًا إلى الزيارات المتتالية لمسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى إلى المنطقة، والتي يوالون من خلالها التأكيد على أن “موقف الولايات المتحدة من الصحراء المغربية ثابت ولا يتزعزع”.

إن هذا الهوس الجزائري “بتغريدة ترامب” يعكس فشلاً ذريعًا في قراءة الواقع، وفشلاً أكبر في فهم آليات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة. فالقرارات الرئاسية، وخاصة تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية، لا يمكن أن تكون مجرد تغريدة، بل هي نتاج مشاورات مكثفة بين مختلف الأجهزة الحكومية. وهذا ما أكده مستشار الرئيس ترامب للشؤون الإفريقية، مسعد بولص، الذي صرح بشكل مباشر للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأن موقف الولايات المتحدة من مغربية الصحراء ثابت وحاسم وغير قابل للتبدل.

تراكم الخسائر: معارك وهمية في زمن الحقائق

إن معركة “تغريدة ترامب” ليست المعركة الخاسرة الوحيدة للنظام الجزائري. فإذا نظرنا إلى تاريخ هذا النظام، سنجد أنه يمتلك سجلاً حافلاً من الإخفاقات، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. ففي قضية الصحراء، لم ينجح النظام الجزائري في إقناع أي دولة عربية أو إسلامية بالاعتراف بـ”الجمهورية الوهمية”، باستثناء موريتانيا، وهو اعتراف صوري يعود إلى سياقات وأسباب معينة.

بل إن محاولاته للتأثير على مواقف الدول الكبرى، مثل فرنسا وإسبانيا، باءت بالفشل الذريع. فقد أعلنت إسبانيا، الشريك التاريخي للمغرب في المنطقة، دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي، واصفة إياها بأنها “الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل النزاع”. كما أن فرنسا، التي تعد أحد أهم شركاء الجزائر، عبرت عن موقف مماثل، وقال رئيسها إيمانويل ماكرون، بلغة فصيحة صريحة ما يود المغاربة سماعه، ويرتعب النظام الجزائري من التفكير فيه.

أرقام وإحصائيات لا تكذب: عزلة جزائرية متزايدة

لنتوقف قليلاً عند الأرقام والإحصائيات، التي تكشف حجم العزلة التي يعيشها النظام الجزائري في هذه القضية.

  • أكثر من 120 دولة تعترف بمغربية الصحراء (أو تدعم مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية): هذا الرقم يزداد بشكل مستمر، ويشمل دولًا من مختلف القارات، بما في ذلك الولايات المتحدة، وإسبانيا، وفرنسا، وعدد كبير من الدول في القارات الخمس.
  • أكثر من 30 دولة فتحت قنصليات في الأقاليم الجنوبية المغربية: هذا الإجراء الدبلوماسي، الذي يعتبر اعترافًا فعليًا وراسخًا بمغربية الصحراء، يشكل صفعة قوية للنظام الجزائري، الذي يحاول الترويج لفكرة أن هذه المنطقة محتلة.
  • الاعترافات الدولية بالجمهورية الوهمية تتراجع: على عكس ما يروج له النظام الجزائري، فإن عدد الدول التي تعترف بـ”الجمهورية الوهمية” يتراجع بشكل ملحوظ. ففي عام 1980، كان هناك 74 دولة تعترف بها، بينما اليوم، تراجع هذا العدد إلى حوالي 28 دولة، ومعظم هذه الدول، تحتفظ بعلاقات ودية مع المغرب، ومن بينها 11 دولة لا تزال -على الأقل ظاهريا- تناصب المغرب العداء، رغم عدم امتلاك كثير منها أي وزن سياسي أو اقتصادي على الساحة الدولية.

رهان خاسر على الصين وروسيا

يحاول النظام الجزائري أيضًا الرهان على حليفيه التقليديين، الصين وروسيا، لتغيير ميزان القوى في القضية. ولكن هذا الرهان، كغيره من رهاناته، يبدو خاسرًا. فبرغم عدم اعترافهما الصريح بمغربية الصحراء، إلا أن الصين وروسيا لم تستخدما حق الفيتو في مجلس الأمن ضد أي من القرارات التي صدرت خلال العقدين الماضيين، والتي تؤكد على أن الحل السياسي يجب أن يكون “واقعيًا وتوافقيًا ومقبولاً من الطرفين”، وهو ما يعتبر دعمًا ضمنيًا لمبادرة الحكم الذاتي.

تداعيات اقتصادية وخيمة: صفعة الجمارك الأمريكية

لم يكتف النظام الجزائري بخسارة المعركة السياسية والدبلوماسية، بل إنه يحاول أيضًا خوض معركة اقتصادية، من خلال محاولة “شراء” موقف مغاير من الولايات المتحدة، عبر فتح ثرواته النفطية والمعدنية للشركات الأمريكية. ولكن هذا المسعى البائس قوبل بصفعة قوية من الإدارة الأمريكية نفسها. فقد فرضت إدارة الرئيس ترامب مؤخرا، جمارك بنسبة 30% على الواردات الجزائرية (رغم هامشية هذه الواردات)، مقابل تمتيع المغرب بالحد الأدنى من الجمارك (10%)، وهو ما يحمل رمزية شديدة بالنسبة للنظام الجزائري.

خاتمة: دعوة إلى الصحوة

في الختام، إن إصرار النظام الجزائري على مصارعة طواحين الهواء، وتزوير الحقائق، وتجاهل الأرقام والإحصائيات، لن يجلب له سوى مزيد من العزلة والخسائر. فقد أثبت المغرب، عبر دبلوماسيته النشطة والفعالة، أن قضية الصحراء هي قضية وجودية، وأن حلها الوحيد هو مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. ولعل في اليد الممدودة دائمًا من العاهل المغربي، الملك محمد السادس، والتي جدد التعبير عنها في خطاب عيد العرش قبل أيام، دعوة صادقة للنظام الجزائري إلى التخلي عن عناده، والانخراط في حل واقعي وسلمي، يعود بالنفع على البلدين الشقيقين وعلى المنطقة بأسرها، وفق صيغة “لا غالب ولا مغلوب”، فهل من عاقل في الجزائر يتلقف هذه الدعوة.

حول المؤلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *