الفروسية والإبداع يجتمعان في “موسم مولاي عبد الله” بأزمور

21è édition du Championnat des arts équestres traditionnels

موسم مولاي عبد الله هو أحد الفعاليات الثقافية البارزة في المغرب، حيث يعود تاريخه إلى أصول عميقة تعكس التراث المغربي الغني. وقد بدأ هذا الموسم بالاحتفال بشخصية تاريخية مهمة، وهي مولاي عبد الله أمغار، الذي يعد رمزًا للتاريخ والفروسية في المنطقة. لطالما ارتبط اسم مولاي عبد الله بالشجاعة والجهاد، والحرفية العالية في فنون الفروسية، وغيرها من القيم النبيلة، مما جعله يستحق مكانة خاصة في قلوب المغاربة.

تعود جذور موسم مولاي عبد الله إلى العصور الماضية، حيث كان يُحتفل به لتعزيز الروابط الاجتماعية والثقافية بين القبائل المحلية. وقد تطور هذا الموسم عبر الزمن وفقًا للتحولات المجتمعية والثقافية. كان يُعتبر مناسبة لتبادل القيم الاجتماعية والسياسية، حيث يتجمع الناس من مختلف المناطق للاحتفاء بالصنائع والتقاليد الفروسيّة التي تمثل الهوية المغربية.

ومع مرور الوقت، أصبح موسم مولاي عبد الله رمزًا للفخر الوطني، حيث يضم مجموعة من الأنشطة التي تعكس التراث الثقافي المغربي. يتضمن الموسم العروض الفروسية، والتي تتميز بكرم الضيافة والتقاليد العريقة، مما يعزز من روح التنافس والاحتفاء بالمرابطين والفرسان. ولم تعد هذه الفعالية مقتصرة على تقديم الفروسية فحسب، بل تمتد لتشمل الفنون الشعبية والموسيقى والطبخ التقليدي، مما يجعلها تجربة شاملة تعزز الوعي الثقافي بين الأجيال الجديدة.

في النهاية، يلعب موسم مولاي عبد الله دورًا أساسيًا في الحفاظ على التراث الثقافي المغربي وتعزيز القيم المجتمعية من خلال احتفالية تعكس روح الفروسية والإبداع في أزمور، مما يجعله أحد المواسم البارزة في البلاد.

الموسم الأضخم في المغرب

شهد موسم مولاي عبد الله أمغار 2025 إقبالاً جماهيرياً قياسياً نعرض لأبرز أرقامه: 

  • عدد الزوار: بلغ حوالي ستة ملايين زائر طوال فترة الموسم.
  • مساحة أرض الموسم: 7 كيلومتر مربع.
  • عدد السربات: شاركت 130 سربة تقليدية في عروض التبوريدة.
  • عدد السربات النسائية: ثلاث سربات نسائية شاركت في الفعاليات.
  • عدد الفرسان: شارك أكثر من 2300 فارس وفارسة في عروض التبوريدة.
  • عدد الخيام: تم نصب 42 ألف خيمة لاستقبال الزوار.
  • الرواج الاقتصادي: أزيد من مليار درهم مغربي (قرابة 100 مليون دولار)

من هو مولاي عبد الله أمغار؟

مولاي عبد الله أمغار هو أحد الأعلام الصوفية البارزة في تاريخ المغرب، وهو شخصية محورية في منطقة دكالة. يُعرف باسم “أبو البدلاء” و”شيخ المشايخ”، وتعود جذوره إلى القرن الثاني عشر الميلادي.

  • اسمه ونسبه: اسمه الكامل هو أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر إسحاق بن إسماعيل. يُقال إن نسبه ينتهي إلى الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء، مما يجعله شريفًا إدريسيًا.
  • لقبه “أمغار“: كلمة “أمغار” هي كلمة أمازيغية تعني “الشيخ” أو “كبير القوم”، وقد ارتبط هذا اللقب به وبأسرته نتيجة لمكانتهم العلمية والروحية والاجتماعية.
  • مكانته: كان مولاي عبد الله أمغار شخصية علمية وصوفية مرموقة، وقد أسس “رباط تيط” (المعروفة حاليًا بجماعة مولاي عبد الله)، الذي تحوّل إلى مركز علمي وديني شهير، وتخرج منه العديد من العلماء والأولياء، مثل سيدي بنور وسيدي بوزيد (تحمل اسمهما مدينتان صغيرتان في ولاية الجديدة).

الموسم السنوي (موسم أزمور)

موسم مولاي عبد الله أمغار هو احتفال سنوي ضخم يُقام تكريمًا لهذا الولي الصالح. وقد أصبح هذا الموسم أحد أهم التظاهرات الدينية والثقافية في المغرب.

أهميته التاريخية: يُعتبر الموسم استمرارية للتقاليد التي نشأت في “رباط تيط” منذ مئات السنين. وكان الرباط مركزًا للمجاهدين الذين كانوا يراقبون السواحل الأطلسية ضد الغزو، مما جعل للموسم دلالة تاريخية جهادية وروحانية.

الفعاليات: يجمع الموسم بين الأنشطة الدينية، مثل تلاوة القرآن والذكر، وبين الأنشطة التراثية والثقافية، أبرزها فن التبوريدة (فن الفروسية التقليدية) الذي تشارك فيه مئات “السربات” (المجموعات) من الفرسان. كما يُقام خلاله صيد الصقور والأسواق التقليدية والحفلات الفنية.

الموقع: يُقام الموسم في جماعة مولاي عبد الله، الواقعة على الساحل الأطلسي جنوب مدينة الجديدة، ويُعرف شعبياً بـ”موسم أزمور” نظرًا لقربه من مدينة أزمور التاريخية.

طقوس احتفال الموسم

يعتبر موسم مولاي عبد الله من أهم الفعاليات الثقافية والاجتماعية في المغرب، حيث يتم الاحتفاء بتراث الفروسية والممارسات التقليدية التي تحمل دلالات عميقة. تبدأ الطقوس بالاستعدادات التي تسبق الحدث، والتي تشمل نصب الخيام الكبيرة التي تستضيف الزوار والمشاركين. تتميز هذه الخيام بتصميمها التراثي، إذ تُستخدم الأقمشة الملونة والزخارف التقليدية لتضفي جوًا من الأصالة على المكان.

تعتبر الأطعمة التقليدية جزءًا لا يتجزأ من طقوس الاحتفال. يتم تحضير مجموعة متنوعة من الأطباق المغربية الأصيلة، مثل الكسكس والطاجين، حيث يتم استخدام المكونات المحلية والموسمية. يتم تقديم هذه الأطعمة في أجواء احتفالية تساهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية بين الزوار، وذلك من خلال تشارك الوجبات والاستمتاع بالنكهات المتنوعة. بالإضافة إلى ذلك، تُسهم هذه الأطباق في إبراز غنى التراث الغذائي المغربي.

تتضمن الطقوس أيضًا عددًا من الاحتفالات والمظاهر الفنية، مثل الرقصات الشعبية والموسيقى التقليدية، حيث تُؤدى تلك الفنون في قلب الخيام وأمام الزوار. يسهم هذا الانغماس في الفنون الشعبية في خلق أجواء من الفرح والبهجة، ويعكس الانتماء العميق للمجتمع المغربي لتاريخه وثقافته. عموماً، تمثل هذه الطقوس احتفاءً حقيقيًا بجذور الهوية المغربية، مشكّلةً فضاءً يعيش فيه الحاضر بعمق التاريخ.

تتجلى الجوانب الاجتماعية والثقافية لهذه الطقوس في تجمع الأهل والأصدقاء وتبادل التهاني والاحتفال بالقيم المشتركة. يساهم هذا الديناميك في تعزيز الروابط الاجتماعية، وبالتالي فإن موسم مولاي عبد الله يظل حدثًا متميزًا لا يقتصر على الفروسية فقط، بل يشمل أيضًا استعراض الثروات الثقافية التي تميز المغرب. يكمل هذا العرس التراثي الصورة الشاملة للتقاليد المتجددة التي تعكس حضارة غنية وفريدة.

مشاركة فرق الفروسية والمنافسات

يعتبر موسم مولاي عبد الله حدثًا يشهد مشاركة واسعة من قبل فرق الفروسية المختلفة، حيث يتجمع المتسابقون من مختلف المناطق المغربية لعرض مهاراتهم في الفروسية والمنافسة. يُنظم هذا الحدث السنوي في أزمور، ويشكل نقطة تجمع رئيسية لعشاق الفروسية والمتابعين لهذه الرياضة الأصيلة. تمتاز المنافسات بالتحضير الدقيق والاستعداد المسبق من قبل الفرق، حيث تستعرض كل مجموعة مهاراتها في ركوب الخيل، الناجم عن سنوات من التدريب والخبرة.

تتعدد أنواع المنافسات التي تُقام خلال الموسم، بدءًا من المسابقات التقليدية المرتبطة بعروض القفز إلى سباقات التحمل التي تتطلب قوة ولياقة عالية من الفرسان والخيول على حد سواء. هذه العروض الفريدة ليست مجرد منافسات، بل هي أيضاً تجربة ثقافية تسلط الضوء على التراث الغني للفروسية في المغرب، حيث تجتمع الفرق في أجواء مفعمة بالحماس والروح الرياضية.

يعد الحضور الجماهيري أحد العناصر الأساسية التي تضيف لمسة سحرية للمنافسات. يأتي محبو الفروسية من مختلف أنحاء المغرب للاستمتاع بالفعاليات المتنوعة، وشهدت المنافسات السابقة تجارب مشوقة وتحفيزية تلهم الأيام المقبلة. يسهم هذا الاقبال الكبير في تعزيز التواصل بين الفرسان ومتابعيهم، مما يعكس أهمية الفروسية ودورها في الثقافة المغربية. يظل موسم مولاي عبد الله بمثابة منصة متميزة للإبداع الفروسي، ما يجعل كل عرض ومنافسة تجربة فريدة تُسجل في ذاكرة الزوار.

أهمية الموسم في الثقافة المغربية

يعد موسم مولاي عبد الله واحداً من أبرز الأحداث الثقافية والاجتماعية في المغرب، حيث يجسد روح الهوية الوطنية ويعزز الروابط بين أفراد المجتمع. ينظم هذا الموسم عادة في مدينة أزمور، حيث يلتقي الناس من مختلف المناطق للاحتفال برموز الفروسية والإبداع المغربي. إنه تجسيد للتراث الثقافي المغربي الذي يمرر عبر الأجيال، مما يساعد على الحفاظ على القيم والعادات التي تشكل هوية البلاد.

يسهم موسم مولاي عبد الله في تعزيز العلاقات الاجتماعية بين السكان، حيث يجتمع الناس من مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية للاحتفال. تُعتبر الأنشطة المختلفة مثل استعراضات الفروسية والمعارض الفنية والفعاليات الموسيقية بمثابة منصات لتبادل الأفكار والأساليب الفنية، مما يعزز الفهم المتبادل والتعاون بين المجموعات المختلفة. هذا الحدث يبرز كأحد الرموز الفريدة للاحتفالات بالمغرب ويعكس تنوع الثقافة المغربية وتميزها.

علاوة على ذلك، تأثير الموسم يمتد إلى الجانب الاقتصادي للمجتمع. حيث يجذب هذا الحدث عددًا كبيرًا من الزوار المحليين والدوليين، مما يعزز النشاط التجاري في المنطقة. تعمل المحلات والمطاعم والفنادق على الاستفادة من هذه الزيادة في عدد الزوار، مما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الاقتصاد المحلي. يعد موسم مولاي عبد الله مناسبة مهمة تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على التراث الثقافي، وتعزيز الروابط الاجتماعية، وتعزيز التنمية الاقتصادية في المغرب.

حول الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *