المبادرة المغربية لربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي: الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية

د. عياد جلول (باحث لبناني)
شهدت السنوات الأخيرة تنامي المبادرات الإقليمية لتعزيز الاندماج الإفريقي وتحقيق التنمية المشتركة، وفي هذا الإطار، تأتي المبادرة المغربية لربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي كمشروع استراتيجي متعدد الأبعاد، يستهدف تعزيز الشراكة جنوب–جنوب، وتحقيق التكامل الاقتصادي، ومواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تعاني منها المنطقة. تهدف هذه الورقة إلى تحليل الأبعاد الاقتصادية والسياسية للمبادرة، وتحديد التحديات والرهانات المرتبطة بها.
تُعدّ المبادرة المغربية لربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الاقتصادية والسياسية للمنطقة، من خلال تمكين بلدان منطقة الساحل الأفريقي المعزولة من الحصول على منفذ بحري على المحيط الأطلسي عبرالاراضي المغربية بطرق تمتد على آلاف الكيلومترات،. وتأتي هذه المبادرة في سياق التحديات الأمنية والتنموية التي تواجهها منطقة الساحل، وفي ظل الرغبة المغربية المتزايدة لاعطاء دفعة قوية للتنمية في الإقليم المتنازع عليه وهو الأقرب جغرافيا لبلدان الساحل وكذلك في اطار تعزيز دور المملكة المغربية الاقتصادي والسياسي والإقليمي افريقيا .
إن الاطار العام لهذه المبادرة جاء عندما وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس خطابا إلى الأمة بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، قال فيه “إن الواجهة الأطلسية الإفريقية تعاني من خصاص ملموس في البنيات التحتية والاستثمارات، رغم مستوى مؤهلاتها البشرية، ووفرة مواردها الطبيعية. ومن هذا المنطلق نعمل مع أشقائنا في إفريقيا، ومع كل شركائنا، على إيجاد إجابات عملية وناجعة لها، في إطار التعاون الدولي. وفي هذا الإطار يندرج المشروع الاستراتيجي لأنبوب الغاز “المغرب-نيجيريا”. وأبرز الملك محمد السادس أن هذا المشروع يبتغي الاندماج الجهوي والإقلاع الاقتصادي المشترك، وتشجيع دينامية التنمية على الشريط الأطلسي، إضافة إلى أنه “سيشكل مصدرا مضمونا لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة”. وهو نفس التوجه الذي دفع بالمغرب إلى إطلاق مبادرة إحداث إطار مؤسسي يجمع الدول الإفريقية الأطلسية الـ 23، بغية توطيد الأمن. واعتبر الخطاب الملكي “أن المشاكل والصعوبات التي تواجه دول منطقة الساحل الشقيقة لن يتم حلها بالأبعاد الأمنية والعسكرية فقط، بل باعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة” واقترح “إطلاق مبادرة على المستوى الدولي تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي”؛ وأن “نجاح هذه المبادرة يبقى رهينا بتأهيل البنيات التحتية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي، والمغرب مستعد لوضع بنياته التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة هذه الدول الشقيقة، إيمانا منا بأن هذه المبادرة ستشكل تحولا جوهريا في اقتصادها، وفي المنطقة كلها”.
من خلال تحليل الخطاب الملكي فإن هذه المبادرة الأطلسية هي لفتح الواجهة البحرية لدول الساحل الافريقي، ويتعلق الامر خاصة بكل من مالي، بوركينا فاسو، النيجر، موريتانيا، وتشاد، بهدف تمكين هذه الدول من الوصول إلى المحيط الأطلسي للاستفادة من الفرص الاقتصادية والتنموية. كما أن هذه المبادرة ليست معزولة عن السياسة الأفريقية للمغرب التي تتسم بالتركيز على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول القارة، مع التركيز على الشراكات في مجالات مثل التنمية المستدامة، والطاقة والبنية التحتية والتي تسعى إلى تفعيل دورها كجسر للتواصل مع بقية الدول الأفريقية، وتأكيد حضورها على جميع المستويات، ولا يجب أن نفصلها كذلك عن مبادرتين اخريتين هما افريقية الأطلسية التي تتكون من 23 دولة افريقية مطلة على المحيط الأطلسي، ومن أنبوب الغاز الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب والذي سيمر عبر 11 دولة.
اذن هذه المبادرة المغربية تدخل ضمن تعاون جنوب-جنوب كما تدخل ضمن أجندة الاتحاد الافريقي 2063، وهي خطة “الإطار الإستراتيجي للقارة، الذي يهدف إلى تحقيق الهدف المتمثل في التنمية الشاملة والمستدامة، وهو تجسيد ملموس للإرادة الأفريقية الشاملة من أجل الوحدة وتقرير المصير والحرية والتقدم والازدهار الجماعي، وأيضا هي امتداد للحضور المغربي الاقتصادي والسياسي في منطقة غرب افريقيا، حيث يعتبر المغرب المستثمر الأول في هذه المنطقة، التي تتواجد فيها مؤسسات مغربية كبرى صناعية وتجارية ومالية. فعندما تاتي مبادرة فتح الواجهة الأطلسية لدول الساحل فإن المغرب بسياسته الافريقية يتبنى معادلة تربط بين ثنائية التنمية والامن، اذ يرى المغرب أنه لا يمكن معالجة القضايا الأمنية بمقاربات امنية فقط، بل ينبغي ربط ذلك بالبعد الاقتصادي والتنمية البشرية، وفي هذا السياق تاتي المبادرة المغربية، مهما كلف ذلك من تحديات ومعوقات ومشاكل. ولا يجب أن ننسى في هذا السياق، أن المغرب يهيئ في افق عام 2029 ميناء الداخلة الأطلسي وهو ميناء جديد يقع في جهة الداخلة وادي الذهب، جنوب المملكة المغربية، والذي سيمكن من تطوير قطاع الصيد البحري في الجهة، وتنمية المبادلات التجارية، خاصة وأنه سيكون بوابة المملكة المغربية على المحيط الاطلسي و القارة الأمريكية، فضلا عن الأهداف الجيوستراتيجية. وقد تم اختيار نتيرفت لاستضافة ميناء الداخلة الأطلسي، وهو موقع يقع على بعد 40 كلم شمال مدينة الداخلة، في الجماعة القروية العركوب، والذي سيكون نموذجا ثانيا لميناء طنجة المتوسط، وهو مجمع مينائي صناعي مغربي، يقع على بعد 45 كم شمال شرق طنجة وقبالة طريفة بإسبانيا (15 كم شمالًا) على مضيق جبل طارق، بقدرة استيعاب تصل إلى 9 ملايين حاوية، وهو أحد أكبر الموانئ الصناعية في العالم. وأكبر ميناء في إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. يستقطب الميناء سنويًا حوالي 7 ملايين مسافر و700 ألف شاحنة، ويصدر مليون مركبة. وبالنسبة لميناء الداخلة الأطلسي، فلا يقتصر دورهذا الميناء على استقبال السفن فحسب، بل يُرتقب أن يتحول إلى منصة لوجستية كبرى لتثمين البضائع القادمة من دول الساحل الإفريقي، سواء براً أو بحراً أو جواً، مما يعزز التكامل الاقتصادي ويُسهم في تحقيق التنمية الإقليمية الشاملة.
وعليه فان الابعاد الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية لم تكن غائبة عن هذه المبادرة المغربية وهو ما سنتناوله في النقاط التالية:
أولا :الأبعاد الاقتصادية للمبادرة :
تاتي المبادرة المغربية في سياق دعم الاندماج الإفريقي وتجاوز التحديات التنموية في منطقة الساحل الإفريقي، من خلال:
- تعزيز البنيات التحتية. الذي يُعدّ أحد الأركان الأساسية لتحقيق هدف الاندماج الإفريقي وتجاوز التحديات التنموية.
- إطلاق مشاريع استراتيجية (مثل أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا).
- خلق إطار مؤسسي يجمع دول إفريقيا الأطلسية، وذلك بهدف تحقيق التنمية المستدامة، وضمان الأمن والاستقرار، وجعل إفريقيا شريكًا فاعلًا على الصعيد الدولي، خصوصًا في ملف الطاقة.
- الاندماج الجهوي والتنمية المشتركة:
- تسعى المبادرة إلى إنشاء فضاء اقتصادي متكامل يربط بين دول الساحل الإفريقي والدول الإفريقية الأطلسية.
- تسهيل المبادلات التجارية والنقل البحري والبري.
- تقليص الفوارق بين المناطق الساحلية والداخلية.
- تحفيز الاستثمار وتطوير البنية التحتية:
- التركيز على سد الخصاص في البنيات التحتية (موانئ، طرق، خطوط أنابيب، شبكات طاقة).
- ايجاد بيئة مشجعة للاستثمار الخاص والعام.
- فتح مجالات أمام الشراكات الدولية والمؤسسات المالية العالمية.
- مشروع أنبوب الغاز المغرب–نيجيريا:
- مشروع ضخم يربط نيجيريا (كقوة اقتصادية في غرب إفريقيا) بالمغرب، ويمر بعدة دول إفريقية.
- يهدف إلى:
- تزويد الدول الإفريقية بالطاقة بأسعار معقولة.
- توفير مصدر بديل ومستقر للطاقة نحو أوروبا.
- خلق مناصب شغل مباشرة وغير مباشرة.
- تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتنمية الصناعية.
- تعزيز موقع إفريقيا الأطلسية في التجارة العالمية:
- استغلال الموقع الجغرافي للدول الإفريقية الأطلسية لخلق ممرات بحرية استراتيجية.
- إدماج القارة في سلاسل التوريد العالمية.
- تحويل المحيط الأطلسي إلى فضاء للتنمية بدلًا من كونه حاجزًا جغرافيًا.
- تحقيق الأمن الاقتصادي الطاقي للقارة:
- المساهمة في أمن الطاقة على المدى البعيد للقارة الإفريقية.
- تقليص التبعية للخارج في مجال مصادر الطاقة.
- تمكين الدول من التفاوض على شروط أكثر عدالة في سوق الطاقة الدولية.
- إطلاق مشاريع استراتيجية (مثل أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا).
- .الربط اللوجستي والتجاري:
- إنشاء طرق نقل، سكك حديدية، وممرات لوجستية تؤدي إلى موانئ مغربية (مثل ميناء الداخلة المستقبلي، طنجة المتوسط، والدار البيضاء).
- تسهيل حركة البضائع والاستثمارات بين الساحل وأوروبا وأمريكا اللاتينية عبر المحيط الأطلسي.
- تحفيز التنمية الاقتصادية لدول الساحل:
- منح الدول الحبيسة منفذاً استراتيجياً للتصدير والاستيراد.
- تقليل التبعية للموانئ التقليدية في دول الجوار (مثل دكار في السنغال أو أبيدجان في كوت ديفوار).
- جذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين مناخ الأعمال.
- دور المغرب كمحور اقتصادي إفريقي:
- تعزيز مكانة المغرب كبوابة تجارية ولوجستية نحو إفريقيا الغربية والوسطى.
- الاستفادة من اتفاقيات التبادل الحر مع أوروبا والولايات المتحدة لتسهيل عبور السلع من وإلى إفريقيا.
ثانيا: : الأبعاد السياسية والاستراتيجية :
بالنظر إلى الأبعاد السياسية والاستراتيجية للمبادرة المغربية لربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي، يمكن تحليلها على النحو الآتي:
- تعزيز مكانة المغرب قي افريقيا
- تُجسّد المبادرة سياسة الانفتاح الإفريقي التي انتهجها المغرب منذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، حيث تسعى إلى تأكيد ريادة المغرب كفاعل موثوق في بناء الشراكات داخل القارة، بعيدًا عن المقاربات الوصائية أو التبعية.
- تقوية العلاقات مع أنظمة الحكم الجديدة في دول الساحل، خصوصاً بعد الانقلابات المتتالية، وهو يُعدّ توجهاً دبلوماسياً عملياً وواقعياً في إطار المبادرة المغربية،
- تأكيد الحضور المغربي في أفريقيا الذي يأتي في اطار تصاعد التنافس الدولي في إفريقيا بين قوى كبرى (مثل الصين، روسيا، فرنسا، وتركيا).بالاضافة الى تراجع الدور الفرنسي وظهور فراغ جيوسياسي، بالاضافة الى الأزمات السياسية والانقلابات في دول الساحل، التي أدت إلى تحول في التحالفات الإقليمية.
o التعامل البراغماتي مع التحولات السياسية:
بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي عرفتها دول مثل مالي، بوركينا فاسو، والنيجر، أصبح من الضروري اعتماد مقاربة واقعية في التعامل مع السلطات القائمة، تجنبًا لعزل هذه الدول أو تركها عرضة لتأثيرات قوى خارجية منافسة.
o تعزيز الاستقرار الإقليمي:
التواصل مع الأنظمة الجديدة يسهم في الحفاظ على قنوات الحوار والتعاون، مما يحدّ من فرص التوتر أو القطيعة التي قد تضرّ بالاستقرار الإقليمي، خاصة أن هذه الدول تلعب دورًا حيويًا في قضايا الأمن ومحاربة الإرهاب.
o دعم مسار الانتقال والتنمية:
من خلال هذه العلاقات، يمكن للمغرب أن يقدّم نموذجًا للتعاون وكبديل تنموي ووسيط مستقر في مواجهة الفوضى الإقليمية، التي يقوم بها بعض دول الجوار للمغرب. كما أن هذا النموذج لا يقوم فقط على المصالح الآنية، بل يشمل أيضًا المساهمة في بناء المؤسسات وتعزيز التنمية، بما يدعم استقرار هذه الأنظمة ويشجعها على الانفتاح التدريجي.
o كسب الثقة والشراكة الاستراتيجية:
الانفتاح على هذه الأنظمة في سياق دولي يتسم أحيانًا بالتردد أو الإدانة، يتيح للمغرب تعزيز موقعه كفاعل موثوق ومستقل، قادر على بناء علاقات متوازنة مع مختلف الفاعلين، دون الارتهان للضغوط الخارجية.
o صيغة أكثر دبلوماسية للفقرة:
“كما تسعى المبادرة إلى تعزيز التعاون مع السلطات القائمة في دول الساحل، في ضوء التحولات السياسية الأخيرة، وذلك من منطلق دعم الاستقرار، وتوفير شروط التنمية، وبناء شراكات تستند إلى المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل.”
- البعد الأمني:
يمثل البعد الأمني أحد المرتكزات الجوهرية للمبادرة المغربية، بالنظر إلى أن منطقة الساحل تُعدّ من أكثر المناطق هشاشة من حيث الاستقرار، حيث تواجه تحديات مركبة تشمل تنامي التهديدات الإرهابية، وانتشار شبكات التهريب والجريمة المنظمة، والهجرة غير النظامية، إلى جانب هشاشة مؤسسات الدولة في عدد من بلدانها. وفي هذا السياق، تسعى المبادرة إلى:
- تعزيز الأمن الإقليمي من خلال مقاربة شمولية تدمج بين التنمية والربط اللوجستي والاستثمار في البنيات التحتية كوسائل غير مباشرة لتعزيز الاستقرار. فالربط بين هذه الدول والمحيط الأطلسي يُمكن أن يسهم في فك العزلة الجغرافية التي تُعدّ من أبرز العوامل المغذية للتطرف والهشاشة الأمنية، ويوفر في الآن ذاته فرصاً جديدة للتنمية الاقتصادية وخلق مناخ من التعاون الإقليمي.
- تقوية القدرات اللوجستية والربط البري والبحري من شأنه تسهيل عمليات التنسيق الأمني وتبادل المعلومات بين الدول المعنية، وتعزيز القدرة على مراقبة الحدود وضبط التحركات المشبوهة، خصوصاً في المناطق الصحراوية المفتوحة.
- مكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار في الساحل:
- منطقة الساحل تعاني من تهديدات إرهابية متصاعدة، والمبادرة تنطلق من رؤية تعتبر التنمية شرطًا للأمن.
- تحسين الظروف الاقتصادية والبنية التحتية يسهم في الحد من جذور التطرف والتجنيد في الجماعات المسلحة.
- ضمان الأمن البحري في الأطلسي الإفريقي:
- المبادرة تسعى لتأمين الممرات البحرية الأطلسية التي تشهد تهديدات مثل:
- القرصنة البحرية.
- تهريب السلاح والمخدرات والبشر.
- وضع إطار مؤسسي للدول الأطلسية (23 دولة) يهدف إلى تبادل المعلومات والتنسيق الأمني.
- أمن الطاقة واستقرار الإمدادات:
- مشروع أنبوب الغاز له أبعاد أمنية تتعلق بضمان تدفق الطاقة وحمايته من أي تهديد أو ابتزاز سياسي.
- التعاون بين الدول المعنية يمكن أن ينتج عنه آلية أمنية مشتركة لحماية البنية التحتية الحيوية العابرة للحدود.
- الحد من الهجرة غير الشرعية:
- بتحسين ظروف العيش والتنمية، تسعى المبادرة إلى معالجة جذور الهجرة بدلًا من الاقتصار على مقاربات أمنية ضيقة.
- هذا ينعكس إيجابًا على علاقة المغرب ودول الساحل بالشركاء الأوروبيين.
ثالثا: التحديات والمعيقات
رغم الأهمية الاستراتيجية التي تكتسيها المبادرة المغربية لربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي، فإن هناك العديد من التحديات البنيوية والسياسية والجيوستراتيجية، التي قد تُبطئ من وتيرة تحقق أهدافها أو تعقّد من مسارها العملي. ومن أبرز هذه التحديات:
1ـ عدم الاستقرار السياسي في دول الساحل:
تشهد المنطقة تحولات سياسية عميقة نتيجة تعدد الانقلابات العسكرية وتغيّر طبيعة الأنظمة الحاكمة في عدد من بلدانها. وهو ما يُثير تساؤلات حول شرعية الشركاء المحليين، واستدامة الاتفاقيات الثنائية، ويُضعف منسوب الثقة الضروري لتنفيذ مشاريع استراتيجية بعيدة المدى.
2ـ هشاشة البنية التحتية في بعض الدول المعنية:
تعاني العديد من دول الساحل، خاصة غير الساحلية منها، من ضعف كبير في شبكات النقل والطرق والطاقة، الأمر الذي يُفاقم من كُلفة الربط اللوجستي، ويستدعي استثمارات ضخمة لتأهيل الممرات الطرقية، وسكك الحديد، والمنصات التقنية الأساسية التي يتوقف عليها نجاح المشروع.
3ـ التنافس الإقليمي والدولي في المنطقة:
تُعد منطقة الساحل مجالاً مفتوحًا لتنافس قوى دولية وإقليمية كبرى (فرنسا، روسيا، الصين، تركيا وغيرها)، ما قد يفضي إلى توظيف المبادرة في صراعات النفوذ القائمة، أو محاولات لعرقلة مسارها، لا سيّما في حال تم تأطيرها ضمن استقطابات جيوسياسية حادة.
4ـ محدودية التمويل والحاجة إلى شراكات دولية فعال:
رغم الدعم السياسي الذي تحظى به المبادرة من قوى دولية كبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية، فإن الجانب التمويلي يظل تحديًا حقيقيًا، نظرًا لما يتطلبه المشروع من موارد مالية ضخمة تفوق إمكانيات الفاعلين المحليين. وهو ما يستدعي الانفتاح على مؤسسات التمويل الدولية، والدخول في شراكات اقتصادية متوازنة مع قوى اقتصادية كبرى ومانحين متعددين، ضمن إطار مؤسساتي منسق وفعّال يضمن استمرارية المشروع واستقلالية قراره.
خاتمة
تُعتبر المبادرة المغربية لربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي مشروعاً استراتيجياً يحمل إمكانات اقتصادية كبيرة، ويعكس في الوقت نفسه طموحاً سياسياً مدروساً لتعزيز الدور المغربي في القارة. وإذا ما نجح المغرب في تجاوز التحديات المرتبطة بهذه المبادرة، فإنها قد تشكل تحولاً نوعياً في التوازنات الإقليمية الإفريقية، وتفتح آفاقاً جديدة للتنمية والاستقرار.