المغرب..  عقد من الريادة الروحية والدبلوماسية الدينية في أفريقيا

20160729233028

شهد عام 2015 حدثين مفصليين في المغرب، ساهما في تحقيق نقلة نوعية على صعيد قوته الناعمة في القارة الأفريقية، تمثلا في تأسيس مؤسستين، نحتفل هذه الأيام بمرور عقد من الزمن على تأسيسهما، ونقصد بهما: “مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة” و “معهد محمد السادس لتكوين الأئمة”. هاتان المؤسستان، وضع على عاتقهما مهمة التكفل بما يمكن تسميته “الدبلوماسية الدينية”، والتي قادت إلى تحقيق “الريادة الروحية” المغربية في القارة السمراء، وهو ما حوّل المغرب بحق، إلى مركز إشعاع ديني وروحي في عموم أفريقيا، ونموذجا فريدا لتحقيق النجاعة في مواجهة التطرف. دور تأتى من خلال مقاربة شاملة وتكامل في أدوار المؤسستين، بجمعهما بين التكوين العلمي والتأطير الروحي، والتضامن الإنساني، وهو ما شكل ركيزة في استراتيجية المغرب الأفريقية.

المحور الأول: ما بين الأهداف المشتركة والخصوصية المتفردة

تكمن نجاعة المقاربة المغربية هنا، في كون المؤسستين تجمعهما جملة من الأهداف المشتركة، وفي نفس الوقت، تحتفظ كل منهما بخصوصية أدواتها، وفرادة تكوينها. وهكذا، من المفيد هنا أن نسلط بعض الضوء على هذا النموذج الناجح.

أولا: الأهداف المشتركة:

تشترك كلا المؤسستين (مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة، ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة) في جملة من الأهداف المشتركة، من أهمها:

نشر قيم الإسلام الوسطي المعتدل: بالتأكيد على الثوابت الدينية المغربية (المذهب المالكي، العقيدة الأشعرية، والتصوف السني) كمنهج موحد لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة.

تعزيز الروابط الروحي: عبر إحياء الروابط التاريخية التي تجمع المغرب بالعمق الأفريقي عبر سلاسل البيعة، وتجديدها في إطار مؤسسي.

محاربة التطرف: بتقديم بديل فكري وروحي يسهم في القضاء على أسباب الإرهاب فكرياً قبل مواجهته أمنياً.

ثانيا: الطابع المتفرد لكل مؤسسة:

معهد محمد السادس لتكوين الأئمة:  دوره يتجسد في التكوين الأكاديمي والعملي للأئمة والمرشدين والمرشدات المغاربة والأفارقة، ليشكل مصنعا لتخريج الكفاءات الدينية المؤهلة، التي تحمل رسالة الإسلام الوسطي.

مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة: دورها يكمن في التأطير المؤسسي للعلماء الأفارقة، لتكون مظلة تجمع العلماء وتنسق جهودهم، وتوفر لهم منصة للحوار وتبادل الخبرات، وتنظيم الفعاليات الدينية الكبرى.

المحور الثاني: حصيلة عمل المؤسستين وأهميتها كقوة ناعمة

وهنا، سنتطرق إلى أبرز محاور حصيلة عمل المؤسستين خلال عقد كامل من عملهما الدؤوب:

معهد محمد السادس:

تكوين الآلاف من الأئمة والمرشدات من المغرب ودول أفريقية وأوروبية (قرابة 3000 آلاف إطار إلى حدود عام 2022).

توفير دورات تكوينية متخصصة في الفقه، أصول الدين، والعلوم الإنسانية، بالإضافة إلى تدريب منتسبيه على الإمامة والخطابة.

مؤسسة العلماء الأفارقة:

إحداث فروع في 48 دولة أفريقية، مما يعكس الامتداد الجغرافي الواسع للمؤسسة.

تنظيم مسابقات في حفظ القرآن الكريم، وملتقيات فكرية، وندوات علمية لتعزيز الحوار بين العلماء.

تقديم الدعم المادي والمعنوي للعلماء الأفارقة.

وبخصوص أهمية عملهما كقوة ناعمة مغربية على الصعيد الأفريقي: نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

الاستثمار في رأس المال الروحي الأفريقي، وتوجيهه نحو قيم التسامح والاعتدال.

تعزيز نفوذ المغرب الدبلوماسي من خلال العلاقات بين العلماء، والتي تتجاوز الأطر السياسية الرسمية.

إظهار المغرب كشريك موثوق ومسؤول في الأمن الروحي للقارة.

المحور الثالث: نجاعة المقاربة الشاملة في مواجهة الإرهاب

فشل المقاربات الأمنية وحدها: الإشارة إلى أن الجماعات المتطرفة مثل بوكو حرام وداعش وغيرها تتغذى على الفراغ الفكري والجهل الديني.

نجاعة المقاربة المغربية: وتتمثل في:

الاستباق الفكري:  من خلال تكوين الأئمة وتأطير العلماء، يتم سد الفراغ الذي تستغله الجماعات الإرهابية.

التكوين المنهجي:  بالاعتماد على قراءة شاملة للنصوص الدينية، وربطها بالواقع المعاصر، وتأويلها بشكل يخدم المصلحة العامة.

محاربة الفتاوى المتطرفة: عبر توحيد جهود العلماء لمواجهة فتاوى التكفير والتحريض.

المحور الرابع: عناصر التميز والعمل في ساحة الزوايا

عناصر التميز عن النظير الأفريقي: تتمثل أبرز ملامح هذا التميز عن غيرها من المؤسسات الأفريقية المماثلة في:

الرعاية الملكية المباشرة: التي تمنح المؤسستين شرعية وقوة كبيرة.

المنهج الموحد: تبني نموذج مغربي متكامل وموحد، بدلاً من التشتت في المناهج المختلفة.

التكامل بين التكوين (المعهد) والتأطير (المؤسسة).

هذا التميز تم تدعيمه عبر العمل في ساحة الزوايا من خلال:

الدور التاريخي للزوايا: بالإشارة إلى الدور الذي لعبته الطرق الصوفية في نشر الإسلام في أفريقيا.

إحياء هذا الدور: بواسطة استخدام المؤسستين كمنصة لإعادة تفعيل دور الزوايا والفرق الصوفية المرتبطة بالمغرب، وتأطيرها لتكون حصوناً ضد التطرف، وربطها بمركزيتها الروحية في المغرب.

خاتمة: مستقبل الريادة المغربية في القارة

 هذا النجاح المشهود الذي رافق عمل المؤسستين، أعاد التأكيد على أن المؤسستين لم تكونا مجرد مبادرات عابرة، بل هما تجسيد لاستراتيجية ملكية شاملة ومدروسة، عمل على تأطيرها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، وسهر على تجسيدها أطر مغربية كفؤة، ساهمة في ترجمة الأهداف الموضوعة لهما جنبا إلى جنب مع الطاقات الدينية المميزة التي تزخر بها القارة السمراء.

وهكذا، ومع الاحتفال بمرور عقد على تأسيس هاتين المؤسستين، وجملة ما أنجزتاه من أهداف، تبدو الآفاق المستقبلية لهما واعدة، ومبشرة بمزيد من النجاحات، الأمر الذي يؤكد أن المملكة المغربية، ومن خلال هذه الأدوات، يؤكد انخراطه الفعلي في بناء مستقبل أفريقي آمن ومزدهر، وأن هذه الدبلوماسية الدينية ستظل ركناً أساسياً في علاقاته بالقارة. كما يؤكد بالملموس، أن مرور عقد من الزمن على تأسيس المؤسستين، هو مناسبة للتأكيد على نجاح المقاربة المغربية في توظيف البعد الروحي كقوة للتنمية والاستقرار.

حول المؤلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *