الناظور: “مدينة النور”.. من رمز للنضال إلى أيقونة للاقتصاد!

nador

تقع مدينة الناظور في شمال شرق المغرب، وتطل على البحر الأبيض المتوسط وبحيرة مارتشيكا، محاطة بتضاريس متنوعة تجمع بين السهول الساحلية والجبال، أبرزها جبال كوروكو. يبلغ عدد سكان المدينة حوالي 180 ألف نسمة، بينما يتجاوز عدد سكان إقليم الناظور 858 ألف نسمة. وتعتبر المدينة مركزًا اقتصاديًا مهمًا، حيث تعتمد على التجارة والأنشطة المرتبطة بالجالية المغربية في أوروبا؛ جامعة بين أصالة الماضي، وجمال الحاضر، ورؤية المستقبل. هي ليست مجرد مدينة ساحلية، بل هي قصة كفاح وتجديد، قصة أهلها الذين صمدوا في وجه التحديات، ونجحوا في بناء مدينة نابضة بالحياة تستحق أن تكون واجهة المغرب على البحر الأبيض المتوسط. إنها مدينة تروي حكاية أمة، وتُبشر بمستقبل مشرق. ويرجّح المؤرخون أن أصل اسم الناظور يعود إلى قبيلة أمازيغية اسمها أيت الناظور سكنت المنطقة قديماً. هناك اعتقاد آخر بأن الاسم جاء من دورها كقاعدة لمراقبة المحتل الإسباني خلال حرب الريف، حيث تعني كلمة “ناظور” في اللغة العربية المرقب أو نقطة المراقبة. كما أطلق عليها الملك محمد الخامس بعد الاستقلال اسم “مدينة النور”.

يضم إقليم الناظور بشكل أساسي عددا من القبائل الأمازيغية الكبيرة، من أبرزها:

 * قبيلة قلعية: من أكبر قبائل الريف، وتتفرع منها أفخاذ مثل مزوجا، آيت شيكار، آيت سيدال، وآيت بويفرور.

 * قبيلة كبدانة: تقع في شمال غرب الإقليم.

 * قبيلة بني بويحيي: من القبائل الأمازيغية الكبيرة في المنطقة

من التاريخ القديم إلى صمود الأجداد

يعود تاريخ المدينة إلى العصور القديمة، حيث كانت مأهولة بالسكان الأمازيغ وتأثرت بالعديد من الحضارات مثل الفينيقية والرومانية. إلا أن دورها البارز بدأ خلال فترة الحماية الإسبانية، إذ تحولت من قرية صغيرة إلى مركز إداري وعسكري. وشهدت المنطقة أحداثًا تاريخية مهمة، أبرزها حرب الريف التي قادها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، حيث كانت الناظور وقبائلها جزءًا لا يتجزأ من هذه المقاومة. ومن رجالاتها الذين ساهموا في محاربة الاستعمار أيضًا الشريف محمد أمزيان ومحمد بوحوت البويفروري.

إلى جانب مقاومتها للاستعمار الإسباني، لعبت الناظور دورًا محوريًا في دعم الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي. فقد كانت المدينة والمنطقة الحدودية المجاورة لها بمثابة قاعدة خلفية لجيش التحرير الجزائري. وقدم سكان الناظور الدعم المادي والعسكري للمجاهدين الجزائريين، كما وفروا لهم ملاذًا آمنًا ومراكز للتدريب والتخطيط. وتُعد شخصيات مثل محند الخضير الحموتي رمزًا لهذا الدعم، حيث جعل من منزله مركزًا للقاء قادة الثورة. ويؤكد المؤرخون أن هذا الدعم لم يكن مجرد قرار سياسي، بل كان نابعًا من وحدة المصير المشترك بين الشعبين الشقيقين في مواجهة الاستعمار. وقد شكّلت الإذاعة السرية، التي تأسست في 16 ديسمبر 1956، أحد أبرز مجالات مقاومة الاستعمار.

الإذاعة السرية الجزائرية في الناظور

ويشير موقع الإذاعة الجزائرية، إلى أن الإذاعة السرية تأسست بأمر من قيادة الاتصالات في جيش التحرير، وعلى رأسها قائد المخابرات عبد الحفيظ بوصوف، وكان حينها قائدا للولاية الخامسة. وقد كانت الإذاعة السرية تبث من مدينة الناظور بادئ الأمر، قبل أن تبدأ بالتنقل على الحدود بين المغرب والجزائر؛ حيث كان مركز البث عبارة عن شاحنة متحرّكة حتى لا ترصدها مخابرات الاستعمار وعيونه، مع توقيت بثّ لا يتجاوز ساعتين (من الساعة الثامنة مساء إلى العاشرة)، حتى تصعب مهمة رصدها.

الناظور اليوم: واحة سياحية نابضة بالحياة

لقد تحولت الناظور اليوم إلى وجهة سياحية جذابة تجمع بين سحر الطبيعة، جمال الشواطئ، وحيوية المدن العصرية. بحيرة مارتشيكا، التي تُعرف أيضًا باسم “البحيرة الزرقاء”، هي جوهرة المدينة ورمز تجددها. هذا الموقع الطبيعي الفريد، الذي يُعدّ من أكبر البحيرات الشاطئية في البحر المتوسط، خضع لمشروع ضخم لإعادة التأهيل، ليتحول إلى منتجع سياحي متكامل يضم فنادق فخمة ومقاهي عصرية ومرافق ترفيهية، مما جعله قبلة للسياح من داخل المغرب وخارجه. يمكنك التجول على طول كورنيش البحيرة، أو الاستمتاع بوجبة شهية في أحد مطاعمها المطلة على المياه.

مستقبل واعد: بوابة المغرب على العالم

ولأن الناظور لا تنظر إلى الوراء فقط، بل تستشرف المستقبل بكل ثقة، فإن مشروعها الأضخم اليوم هو ميناء الناظور غرب المتوسط. هذا الميناء، الذي يُتوقع أن يكون من أكبر الموانئ في المنطقة، سيُحوّل المدينة إلى بوابة اقتصادية وتجارية مهمة تربط بين أوروبا وإفريقيا. سيكون الميناء مركزًا لوجستيًا رئيسيًا، مما سيجذب شركات الشحن العالمية، ويُعزز من صادرات المملكة المغربية ووارداتها.

كما سيتم ربط الناظور بشبكة القطارات والطرق السريعة، مما سيُعزز موقعها كمركز لوجستي حيوي ويُسهل حركة السلع والأشخاص. هذا المشروع العملاق سيخلق الآلاف من فرص العمل، ويجذب المزيد من الاستثمارات، ويجعل من الناظور محركًا للتنمية في المنطقة.

باختصار، الناظور ليست مجرد مدينة ساحلية، بل هي مدينة عريقة ذات تاريخ حافل بالمقاومة والنضال. موقعها الجغرافي المتميز وتضاريسها المتنوعة جعلها مركزًا اقتصاديًا هامًا، في حين أن رجالاتها وبطولاتهم في وجه الاستعمار، ودورها في دعم الثورة الجزائرية، جعلها مدينة ذات مكانة تاريخية خاصة في ذاكرة المغرب والجزائر.

حول المؤلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *