بدون هدف أو أجندة.. الحكومة الثامنة في عهد تبون تفشل في إثارة اهتمام الجزائريين!

Arbaoui and Gharib

كما كان متوقعا، بدأ الدخول السياسي في الجزائر على وقع تكليف وزير أول جديد هو الرابع في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، من أجل تشكيل الحكومة الجزائرية الثامنة! خبر يراد له أن يصنع الخبر دون أن ينجح طبعا في مهمته، لأسباب كثيرة سنعرض لأهمها لاحقا. هذه المرة، وقع اختيار تبون (او دائرة صنع القرار في النظام العسكري الجزائري) على وزير الصناعة سيفي غريب، من أجل تحقيق هدف واحد: “استكمال تنفيذ أجندة الرئيس”! هذا الهدف الذي شكل، منفردا، البرنامج الحكومي للحكومات المتعاقبة السبعة السابقة، كفيل بتجريد الحدث من أي مبررات لمتابعته، لسبب بسيط هو أن الرئيس تبون نفسه لا يعلم يقينا ما هي أجندته، حيث منذ توليه الرئاسة وهو يعيش أجواء حملة انتخابية لا تنتهي، يطلق خلالها التصريح تلو التصريح، دون تدقيق في إمكانية تحقيق ما يقوله، أو حتى تنقية التصريحات من التناقضات التي سرعان ما تتحول إلى مادة للتندر! لكن لماذا نعتبر أن تشكيل حكومة جديدة في الجزائر هو ببساطة “لا حدث”؟!

بداية، فخلال 68 شهرا هي مدة حكم الرئيس عبد المجيد تبون، كلف أربعة شخصيات بتشكيل ثمانية حكومات، ثلاثة منها كانت من نصيب عبد العزيز جراد، الذي شغل منصبه من ديسمبر 2019 حتى يونيو 2021، تبعه أيمن عبد الرحمن بتشكيل حكومتين في الفترة من يونيو 2021 إلى مارس 2023، ثم نذير عرباوي بحكومتين ما بين نوفمبر 2023 وحتى أغسطس 2025، لتأتي أخيرا حكومة سيفي غريب الذي سيتم استبدالها ما بين فبراير 2027 ومايو من نفس العام!! وهكذا يكون متوسط عمر كل حكومة في عهد تبون هو قرابة تسعة أشهر ونص، ومدة انتداب كل رئيس حكومة تتراوح ما بين 18-21 شهرا، وهو ما جعلنا نتنبأ بتاريخ تعيين خلف لغريب! هذا التغيير السريع الذي لا ينافسه إلا سرعة تغيير رؤساء الأجهزة الأمنية، لا يجعل لرئاسة الحكومة منطقا أو ضوابط، ويفقد المواطنين تاليا الشغف بمتابعة تغييراتها.

السبب الأخر الذي يقف وراء ظاهرة العزوف هو عدم وجود برنامج حكومي واضح، حيث أن الاكتفاء ببند “تنفيذ أجندة الرئيس تبون” لا يكفي حتى لإدارة مؤسسة ناهيك عن جمهورية. وعليه، يكون التخبط هو سمة عمل الحكومة بمختلف وزاراتها، لاسيما وأن كل وزير يعلم أن مدة ولايته -على الأغلب- لن تتجاوز العام الواحد، الأمر الذي لا يسمح بوضع خطط طويلة او متوسطة الأمد حتى، وتكون المنفعة الشخصية هي الرهان، وبالتالي لا يلمس المواطنين أي فرق يذكر في حياتهم المعيشية. اما الخوف من الاستبدال، فيجعل الوزراء يختارون الأسلم، المتمثل في تكرار أرقام الرئيس وشعاراته دون أن يتكلفوا عناء تصحيحها أو تبريرها أو تحقيقها.

ثالث الأسباب لعدم اهتمام المواطنين بما يجري في رئاسة الحكومة، علمهم بأنه في ظل نظام عسكري مغلق كالذي يحكمهم منذ الاستقلال “المفترض” عن فرنسا، فالمسؤولين المدنيين هم مجرد واجهة منزوعة الصلاحيات، وبالتالي فهم منفذي سياسة وليسوا صنّاعها. وكمثال على ذلك نسوق وزير الخارجية، الذي لا يملك -أيا كان شخصه- أن يصحح مسارها الكارثي المبني على بند واحد فقط: العداء للمغرب ومعاندة وحدته الترابية، فينتهي به الأمر إلى تكرار “لازمة” ثابتة قوامها “حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير” مع علمهم بأن هذا الشعار الذي مر على “اختراعه” نصف قرن لم يعد صالحا بأي شكل من الأشكال، وأن ضرره للجزائر نفسها أكبر بما لا يقاس من أثره السلبي على المغرب، هذا إن وجد مثل هذا الأثر.

رابع الأسباب يتعلق بالشخصيات التي يتم اختيارها لمنصب الوزير الأول. حيث أن الشخصيات التي شغلت هذا المنصب (جراد، عبد الرحمن، عرباوي، غريب) تشترك في أمر بارز واحد هو: أنها بدون لون أو طعم أو رائحة! ليس لافتقادها أي مسحة سياسية (وهذا مفهوم في ظل طبيعة النظام)، ولكن حتى بمقاييس التكنوقراط، حيث لم يعرف عن أي منهم تحقيق اختراقات في مجال اختصاصه؛ ولعل وجود الرئيس تبون نفسه على رأس الجمهورية كفيل بإيضاح هذه الخصوصية للنظام الجزائري.

وقد بدا لافتا أن التلفزيون الجزائري الرسمي قد أذاع الخبر، ونقل حفل تسليم السلط بين عرباوي وغريب، دون أن ينشر لقطة واحدة عن استقبال الرئيس عبد المجيد تبون للوزير الأول المغادر لاستلام استقالته أو تسليم إقالته! وكذا للوزير الأول الجديد لتسليمه كتاب تكليفه أو تعيينه، مما ساهم في تغذية اللغط الدائر حول “اختفاء” الرئيس تبون طيلة هذا الصيف (منذ شهر على أقل تقدير). وبعيدا عن الخوض في هذا الجدل، وباستبعاد “نظرية المؤامرة” من مبررات هذه “الفضيحة” البروتوكولية، نكتفي بالقول بانها سابقة لا تحدث إلا في بلاد الجنرالات!

ختاما، وبغض النظر عن الأسماء التي سيقترحها الوزير الأول الجديد، الذي لا يعلم بدقة لماذا تم التنصيص على كونه وزيرا أول بالنيابة، فإنها لن تتمكن من إضفاء بعض الإثارة المطلوبة من أجل تحويل هذا “اللاحدث” إلى حدث يحظى باهتمام ومتابعة الجزائريين، وسيكرس أكثر قناعة الشارع الجزائري بعدم جدوى توقع أي تغيير “ذاتي” من هذا النظام  “منتهي الصلاحية”، وبصواب مطالبتهم خلال الحراك الشعبي بضرورة “إسقاط هذا النظام”!

حول الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *