شكيب أرسلان.. السفير المشرقي للمغرب وقضاياه الوطنية!

الأمير شكيب أرسلان، هو كاتب وأديب ومفكر وسياسي لبناني من أصل عربي درزي، وُلِدَ عام 1869 وتُوفي عام 1946. لُقِّب بـ “أمير البيان” لغزارة كتاباته، واشتهر بدفاعه عن قضايا الأمة العربية والإسلامية ودعوته للوحدة. كان يجيد العربية، التركية، الفرنسية والألمانية، وله مئات المقالات والعديد من الكتب أشهرها “لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟”.
أرسلان المفكر:
كان شكيب أرسلان مفكراً إصلاحياً، تأثر بأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وسعى إلى إحياء مجد الأمة العربية والإسلامية. كان يرى أن سبب تخلف المسلمين يعود إلى الابتعاد عن مبادئ الدين الصحيحة، والجمود الفكري، والانقسام السياسي. أشهر أعماله الفكرية هو كتاب “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟”، الذي طرح فيه رؤيته للإصلاح وضرورة الأخذ بأسباب التقدم المادي والفكري مع الحفاظ على الهوية الدينية. كما اهتم بالتاريخ الإسلامي، ودافع عن تاريخ العرب والمسلمين في وجه التشويه الغربي، مثلما فعل في كتابه “تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا”.

أرسلان السياسي:
كان شكيب أرسلان سياسياً بارزاً، نشط في العمل السياسي منذ شبابه. تولى مناصب مهمة في الدولة العثمانية، وعمل على دعم الوحدة بين العرب والأتراك. بعد سقوط الدولة العثمانية، كرّس حياته لمناهضة الاستعمار الأوروبي في العالم العربي. اتخذ من جنيف مقراً لنشاطه السياسي، وأصدر مجلة “الأمة العربية”، التي كانت بمثابة منبر للثوار والوطنيين العرب، ومنها فضح ممارسات الاستعمار الفرنسي والإيطالي والإسباني في بلدان المغرب العربي ومشرقه. كان له دور كبير في دعم الثورة السورية الكبرى، والحركة الوطنية في المغرب، وكذلك القضية الفلسطينية.
أرسلان الأديب:
يُعد شكيب أرسلان أحد عمالقة الأدب العربي الحديث. كان كاتباً غزير الإنتاج، تميز أسلوبه بالبيان والبلاغة والقدرة على مخاطبة العقل والوجدان. كتب في العديد من الصحف والمجلات العربية، وترك وراءه عشرات المؤلفات في التاريخ، والفكر، والسيرة الذاتية، مثل “مذكرات الأمير شكيب أرسلان”. كما كان شاعراً، وتناول في شعره قضايا أمته، ودعا إلى الوحدة والنهضة.
باختصار، شكيب أرسلان كان نموذجاً للمثقف العضوي الذي جمع بين الفكر والعمل السياسي. لم يكتفِ بالتنظير، بل انخرط في الواقع، وجعل قضايا أمته محور اهتمامه، مستخدماً قلمه ولسانه للدفاع عن حريتها وكرامتها.
علاقته مع المغرب

كانت لأرسلان علاقات وثيقة مع المغرب، حيث زار شماله في أغسطس 1930، وشارك في توجيه الحركة الاحتجاجية ضد الظهير البربري. كما أقام علاقات مع قادة الحركة الوطنية المغربية، مثل علال الفاسي وأحمد بلافريج، وساهم في فضح الانتهاكات الفرنسية في المغرب عبر الصحافة الدولية.
كان للأمير شكيب أرسلان، الملقب بـ “أمير البيان”، دور بارز في دعم الحركات الوطنية في المغرب العربي، وخصوصًا في المغرب الأقصى، في مواجهة الاستعمار الفرنسي والإسباني. لم يكن شكيب أرسلان وزيرًا للمغرب، بل كان مفكرًا وكاتبًا وسياسيًا عربيًا مسلمًا، سافر وتواصل مع زعماء العالم لنصرة قضايا أمته.
كانت علاقته بالمغاربة وطيدة ونموذجية، بدأت منذ أن تعرف على النخبة المغربية من خلال جمعية طلبة شمال أفريقيا المسلمين في باريس. وقد نصحهم بالتعبير عن استيائهم من فرنسا من خلال المظاهرات وإرسال رسائل احتجاج إلى عصبة الأمم. كانت زيارته التاريخية لطنجة وتطوان في أغسطس 1930 حدثًا مهمًا، حيث التقى بالعديد من قادة الحركة الوطنية المغربية، مثل عبد السلام بنونة، وقدم لهم الدعم الفكري والمعنوي.

لعب أرسلان دورًا أساسيًا في توجيه الحركة الاحتجاجية ضد “الظهير البربري” الذي أصدرته سلطات الحماية الفرنسية في مايو 1930، حيث ندد به وكتب عنه في الصحف والمجلات العربية والأوروبية، وفضح مخططات فرنسا لتقسيم المغاربة. وقد كانت هذه الزيارة سببًا في تأسيس أول جمعية سرية مغربية في سبتمبر 1930 لمواجهة الاستعمار.
كان شكيب أرسلان ملهمًا ومرشدًا للوطنيين المغاربة، واستخدم قلمه لنصرة قضيتهم. وقد كتب العديد من المقالات والرسائل التي تفضح الانتهاكات الاستعمارية في المغرب، وأكد على أهمية الوحدة العربية والإسلامية في مواجهة الأطماع الأجنبية. ورغم منعه من دخول مناطق الحماية الفرنسية في المغرب بعد ذلك، إلا أن تأثيره استمر، ولهذا يعتبر شخصية محورية في تاريخ الحركة الوطنية المغربية.
وتُشير بعض المصادر إلى أن العديد من مخطوطاته موجودة في المكتبة الخاصة بالملك المغربي الراحل الحسن الثاني، مما يدل على عمق علاقته بالمغرب واهتمامه بقضاياه.