“إختراق” دبلوماسي أم فقاعة إعلامية؟ الجزائر والبحث عن “مكانة” في بحر آسيان الهادئ

Ahmed Attaf in ASEAN

تتصدر وسائل الإعلام الجزائرية، ومعها أبواق إعلامية خارجية محسوبة على النظام، عناوين براقة تصف “انضمام الجزائر إلى الآسيان” بأنه “فتح دبلوماسي مبين” و”دليل راسخ على المكانة الدولية للجزائر”. حملة إعلامية ضخمة لا تترك مجالاً للشك في أن الجنرالات يسعون لتحويل هذا الحدث إلى “فتح” وانتصار مدوٍ، ربما لتعويض خيبة أملهم القاتلة بعد رفض طلب انضمامهم إلى مجموعة “البريكس”. ولكن، هل هذا “الفتح” حقيقي أم مجرد فقاعة إعلامية يراد بها تخدير الرأي العام وصرف الانتباه عن إخفاقات دبلوماسية أخرى؟

حقيقة “العضوية” المزعومة: طرف متعاقد لا أكثر ولا أقل!

فلنضع النقاط على الحروف، ونستعير لغة الشفافية التي يفتقدها إعلام الجنرالات. ما حازت عليه الجزائر مؤخراً هو صفة “طرف متعاقد رفيع المستوى” في معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا (TAC). هذه المعاهدة، وإن كانت وثيقة مهمة لتعزيز السلام والاستقرار، إلا أنها لا تمنح من ينضم إليها عضوية كاملة في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). فالعضوية الكاملة مقتصرة على عشر دول في جنوب شرق آسيا فقط لا غير.

والعجيب أن هذه الصفة، التي تروج لها الجزائر على أنها إنجاز فريد، تشاركها فيها حوالي 57 دولة (الرقم الصحيح حسب آخر الإحصائيات)، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ككيان. نعم، قرأت الرقم صحيحاً: سبع وخمسون دولة، من قارات العالم كافة، لديها نفس “الفتوحات” الدبلوماسية التي تحتفل بها الجزائر على أنها معجزة القرن! من الولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان، إلى دول صغيرة بعيدة عن المنطقة، كلها “أطراف متعاقدة” في هذه المعاهدة؛ فهل كل هذه الدول أيضاً تحتفل بهذا “الفتح” بنفس الضجيج والتهليل؟ بالطبع لا. لأنها تدرك جيداً أن هذه مجرد خطوة دبلوماسية معيارية، وليست “عضوية” حقيقية في تكتل الآسيان.

صمت المغرب: درس في الدبلوماسية الهادئة

في المقابل، لم نسمع للمغرب، الجار الغربي للجزائر، ضجيجاً مماثلاً، رغم أنه يتمتع بوضع أكثر تقدما بكثير في علاقته مع الآسيان. فالمغرب وقع على نفس معاهدة الصداقة والتعاون (TAC) في عام 2016، أي قبل الجزائر بتسع سنوات كاملة. ولم يخرج علينا الإعلام المغربي آنذاك ليصف الحدث بـ “الفتح العظيم” أو “العضوية التاريخية”.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فالمغرب، وفي عام 2023، ارتقى بعلاقته مع الآسيان إلى مستوى “شريك الحوار القطاعي”. وهذا هو مربط الفرس، ونقطة الألم الحقيقية لدبلوماسية الجنرالات. فأن تكون “شريك حوار قطاعي” يعني أنك تحظى بعلاقة مؤسسية تسمح لك بالتعاون في مجالات محددة مع تكتل الآسيان، مما يفتح آفاقاً اقتصادية وتنموية ملموسة. وهذا تحديداً هو الطموح الذي عبرت عنه الجزائر مؤخراً، عندما أعلن وزير خارجيتها، بعد “الفتح العظيم”، أن الجزائر تسعى للحصول على صفة “شريك حوار قطاعي”.

فبينما تحتفل الجزائر بتحقيق “طموح الأمس” للمغرب، يتقدم المغرب بخطوات ثابتة نحو شراكات أعمق وأكثر واقعية. إنها مقارنة مؤلمة تكشف الفرق بين دبلوماسية تقوم على البهرجة والتهليل، وأخرى تعمل بصمت وفعالية لتحقيق مصالح حقيقية.

“مهزلة” الدبلوماسية الجزائرية: بين البريكس والآسيان

إن هذه “الحملة الإعلامية الضخمة” حول “عضوية الآسيان” ليست سوى محاولة يائسة للتغطية على “المهزلة” الدبلوماسية الأخيرة المتمثلة في الرفض المهين لطلب انضمام الجزائر إلى مجموعة “البريكس”، بعد أشهر من التطبيل والوعود الكاذبة بـ”التجارة بالدينار الجزائري” و”الانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب”، جاء الرد قاسياً: رفض قاطع، حتى وإن حاولت الأبواق الإعلامية تفسيره بأنه “تأجيل” أو “دراسة معمقة”.

الجنرالات، الذين عودوا الشعب الجزائري على الانتصارات الوهمية والأوهام الدبلوماسية، وجدوا أنفسهم في مأزق. فكان لا بد من إيجاد “فتح” بديل، حتى لو كان مجرد توقيع على معاهدة مشتركة مع 57 دولة أخرى، ليتم تسويقه على أنه “إنجاز القرن”. إنها سياسة الهروب إلى الأمام، والبحث عن أي قشة دبلوماسية لتبرير الفشل المتواصل في بناء دولة قوية ذات تأثير حقيقي على الساحة الدولية.

متى ستتوقف المسرحية؟

السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى متى ستستمر هذه المسرحية؟ إلى متى سيظل إعلام الجنرالات يغذي الشعب الجزائري بالأوهام والانتصارات الزائفة؟ مكانة الدول لا تبنى بالشعارات الفارغة ولا بحملات العلاقات العامة المضللة. إنها تبنى بالاقتصاد القوي، وبالتنمية المستدامة، وبالدبلوماسية الهادئة والفعالة التي تخدم المصالح الوطنية العليا بعيداً عن صخب المزايدات.

وعندما تصبح الجزائر “شريك حوار قطاعي” مع الآسيان، ربما تحتفل مرة أخرى بنفس الطريقة، لتنسى أنها كانت قد أعلنت ذلك “فتحاً” عظيماً قبل سنوات. إنها دائرة مفرغة من الأوهام، يدفع ثمنها الشعب الجزائري الذي يستحق دبلوماسية حقيقية، لا “فتوحات” مزعومة تهدف فقط إلى تلميع صورة نظام مهتز.

حول المؤلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *