معرض التجارة البينية الأفريقية في الجزائر: ضجيج إعلاميٌّ بلا مبرر واقعي!

iatf2

في الجزائر، لا صوت يعلو فوق صوت “المعرض العظيم”، الدورة الرابعة لمعرض التجارة البينية الأفريقية، المنعقد من 4 إلى 10 سبتمبر. حدثٌ رفعه الإعلام الرسمي إلى مصاف المناسبات الكونية، متجاوزًا في الأهمية حتى اجتماعات الأمم المتحدة على مستوى القادة، وكأننا أمام قمة كونية لا مجرد معرض تجاري. بل إن البرلمان الجزائري نفسه أُجبر على تأجيل جلسته الافتتاحية، في مشهد عبثي لا يحدث إلا في “جمهورية المعارض”، بحجة إتاحة الفرصة لإنجاح التنظيم. جلسة بروتوكولية في 2 سبتمبر تُلغى بسبب معرض يبدأ في 4 سبتمبر؟ منطق لا يُفسَّر إلا في بلاد الجنرالات.

جعجعة إعلامية بلا طحين تجاري

المعرض سبق أن نُظّم في القاهرة عامي 2018 و2023، وفي ديربان بجنوب أفريقيا عام 2021، دون أن يترك أي أثر اقتصادي يُذكر. ومع ذلك، يصر الإعلام الجزائري على تسويق الدورة الحالية كمنعطف تاريخي. فلنحلل هذه “الجعجعة” لنرى إن كانت ستنتج “طحينًا” حقيقيًا.

يُروَّج للمعرض بأنه يستقطب 35 ألف زائر من 140 دولة، و2000 عارض. لكن الواقع أكثر تواضعًا: معظم الزوار جزائريون، وعدد الدول المشاركة مبالغ فيه، إذ لا تمتلك الجزائر علاقات دبلوماسية نشطة مع هذا العدد من الدول، ناهيك عن أن رجال الأعمال لا يهبطون بالمظلات لحضور معارض لا يعرفون عنها شيئًا. أما الـ2000 عارض، فغالبيتهم لا يملكون أجنحة عرض فعلية، بل مجرد حضور رمزي، كما هو الحال في معظم المعارض حول العالم، إلا إذا كانت الجزائر قد اكتشفت قانونًا جديدًا للفيزياء الاقتصادية.

صفقات بالمليارات… على الورق فقط

الرقم الأكثر إثارة هو “44 مليار دولار” من الصفقات المتوقعة. لكن هذه الأرقام لا تختلف عن سابقاتها: 32 مليارًا في القاهرة 2018، 42 مليارًا في ديربان 2021 (عام الجائحة!)، ورقم مشابه في القاهرة 2023. هل تحققت هذه الصفقات؟ بالطبع لا. معظمها مجرد مذكرات تفاهم، أو نوايا غير ملزمة، تُوقَّع على هامش المعرض لتجميل الصورة، بينما لا تتحول حتى 10% منها إلى مشاريع فعلية. إنها دعاية للاستهلاك المحلي، لا أكثر.

مشاريع هيكلية… على الورق أيضًا

الإعلام الجزائري يفاخر بمشاريع “هيكلية كبرى” تؤكد مكانة الجزائر القارية، مثل:

الطريق العابر للصحراء: يُقال إنه يمتد لـ10 آلاف كلم بين الجزائر ولاجوس. لكن ما أُنجز فعليًا كطريق سريع لا يتعدى 600 كلم من أصل 2400 كلم داخل الجزائر. أما الـ7600 كلم الأخرى، فغالبيتها طرق مهترئة، وبعضها غير معبَّد أصلًا. فأين الطريق السريع؟ وأين الوحدة الأفريقية؟

طريق تندوف–الزويرات: يُروَّج لإنجازه كفتح اقتصادي نحو موريتانيا. لكن ما تم إنجازه هو 80 كلم فقط، بينما الـ900 كلم المتبقية لم تبدأ بعد. نسبة الإنجاز؟ أقل من 8%! فهل نحتفل بالفراغ؟

أنبوب الغاز العابر للصحراء: المشروع لا يزال حبيس التصريحات، ولم يبدأ فعليًا، بسبب عقبات سياسية واقتصادية. ومع ذلك، يُصر الإعلام على أنه “قيد التنفيذ”.

الربط الكهربائي والألياف البصرية: لا وجود فعلي لهما، والمشاريع متوقفة عند حدود النيجر وموريتانيا. فهل هذه هي “الجزائر الرقمية”؟

أرقام التجارة البينية: الواقع يصفع الخطاب

في عام 2018، بلغت نسبة التجارة البينية الأفريقية 15%. وفي 2024؟ لم تتغير. ثلاث دورات من المعرض، ولا اختراق يُذكر. أما الجزائر، فواقعها التجاري مع أفريقيا أكثر تواضعًا:

الصادرات الجزائرية إلى أفريقيا: 2.6 مليار دولار من أصل 52.4 مليارًا، منها 1.8 مليار إلى تونس وحدها. أي أن باقي أفريقيا تحصل على 800 مليون فقط، أو 1.5% من إجمالي الصادرات.

الواردات من أفريقيا: 1.8 مليار دولار من أصل 40 مليارًا، معظمها (1.6 مليارا) من مصر وتونس وموريتانيا. أي أن أفريقيا تمثل 0.5% فقط من واردات الجزائر.

هل هذه الأرقام تؤهل الجزائر لتكون “جسرًا تجاريًا” بين أفريقيا والعالم؟ الجواب واضح: لا.

خاتمة: المعرض كمرآة للدعاية

كما هو معتاد، يجتهد الإعلام الجزائري في رسم صورة وردية لواقع اقتصادي هش، علّ المواطن يصدق أن بلاده تقود القارة نحو المجد. لكن الحقيقة أن هذه المعارض ليست سوى أدوات دعائية، وهدر مالي، واحتفالات فارغة لا تنتج سوى المزيد من “الجعجعة الإعلامية” بلا “طحين” اقتصادي أو سياسي.

حول الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *