مغالطات وأكاذيب محيطة باعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء!!

كما كان متوقعا، ولّد القرار السيادي الإسرائيلي بالاعتراف بمغربية الصحراء موجة عاصفة من ردود الفعل “الغاضبة” من أفراد قبيلة “مناهضة التطبيع” من “محترفي النضال” و “مخلفات الثورة” و “حراس القومية” و “حماة الشريعة”، ومن يدور في فلكهم، جهلا أم عجزا، مع اشتراك الجميع في عجزهم عن الفعل -أي فعل-، وبعدهم عن محاولة الفهم لما يدور حولهم، وفي العالم!
لكن الملاحظ، أن هذه الجوقة من “الببغاوات”، لا تجتهد حتى في محاولة فهم ما يتداوله الذباب الإلكتروني “الثوري الوطني الإسلامي المقاوم”، والتركيز على الجوانب التي قد تحمل خطرا على المغرب أو فلسطين أو حتى العروبة والإسلام، بل تكرر دون تمحيص، سلسلة من الأكاذيب والمغالطات، والمفاهيم الملتبسة، والاتهامات المجانية، سنكتفي هنا بالمرور سريعا على أبرزها:
بداية، قرار إسرائيل بالاعتراف بمغربية الصحراء هو قرار سيادي، لا يخضع لمنطق الصح والخطأ، وأقصى ما يمكن أن تفعله دولة أخرى حياله، هي إما تأييده، وبالتالي تقليده، أو معارضته .. بالصمت!! وعليه، فالخارجية الجزائرية التي أصدرت بيانا “عنتريا” لمهاجمة الخطوة، لا تفهم أبجديات العمل الدبلوماسي، وهذا ناتج بالطبع لسببين: أولهما أن القدرات العقلية للقائمين عليها محكومة بأعمارهم (والتي لا تقل عادة عن السبعين)؛ وثانيهما أن مسؤوليها لا يملكون حتى صلاحية تعديل البلاغات العسكرية التي تأتيهم من الجنرالات، الذين لا يفوقونهم في القدرات العقلية على كل حال. هذا الموقف، يفرض تساؤلا حتميا: لماذا لم تصدر الجزائر بيانات شجب وإدانة لاعتراف 162 دولة أخرى بإسرائيل من غير المغرب؟؟ لاسيما وأن منها 5 دول عربية وقرابة 47 دولة إسلامية و48 دولة أفريقية!! ولماذا لا تصدر بيانات مماثلة في حق 164 دولة لا تعترف بالبوليساريو، وبالتالي، تعترف بسيادة المغرب، تصريحا او تلميحا، على صحرائه؟! ومن جهة أخرى، فقضية الاعترافات الدولية هي أمر شديد التفاوت ويبقى حقا مكفولا لكل دولة، ولا شأن لخارجية الجزائر به. فهناك 138 دولة تعترف بفلسطين رغم أنها ليست دولة عضوا في الأمم المتحدة، بل وليست دولة أصلا!! اللهم إلا إذا اعترفنا بأن المهزلة التي احتضنها قصر الصنوبر بالجزائر العاصمة عام 1988كان إعلان دولة فلسطين فعلا!! أما كوسوفو، فتعترف بها 98 دولة، رغم أنها لا تحظى باعتراف الأمم المتحدة، بل والمضحك أن هناك قرابة 29 دولة تعترف بجمهورية وهمية لا تملك سيادة على أرض أو شعب، ولا أي مظهر من مظاهر السيادة!!
ثاني الأكاذيب التي يتناقلها الكثيرون جهلا أو غباء يقول، بأن المغرب يستجدي الاعتراف الإسرائيلي بوحدته الترابية من أجل منح المشروعية لانتماء جزء من أرضه إليه!! انتماء الصحراء الغربية للملكة المغربية ثابت ثبات انتماء الصحراء الشرقية “المحتلة” له. ثبات تؤكده حقائق تاريخية وجغرافية ودبلوماسية متجذرة منذ اثني عشر قرنا، وليس منذ 1975 كما يروج لذلك “أبناء فرنسا” في الجزائر؛ أو منذ 1963 كما هي مشروعية الدولة الجزائرية!! ثبات لا يستجديه المغرب بالاتكاء على مبدأ “الحدود الموروثة من الاستعمار الفرنسي”، كما هو الحال بالنسبة للجزائر، التي لم تستقل سلطتها يوما عن فرنسا!! بل بدماء أبنائه الذين واجهوا مختلف امبراطوريات العالم القديم والحديث، منذ قرون ما قبل الميلاد!! وعليه، نتفهم “عقدة” دولة جزائرية رسمت فرنسا حدودها الحالية خلال أخر مئة سنة فقط، تجاه الإمبراطورية المجاورة، وأقنعتها أن ذلك كاف لمنح هذه الحدود المشروعية المطلوبة؛ وقامت كذلك برسم الأدوار “القذرة” لجنرالاتها، وكلفتهم بتفتيت منطقة المغرب الكبير، ومنع قيام أي تواصل بين أبنائه؛ وهو ما قاموا به على أكمل وجه!!
وحتى يفهم مروجو هذه المغالطات، نقول لهم أن المشروعية السياسية التي تزكيها الأمم المتحدة، هي مشروعية تصنعها أصوات الدول الأعضاء بموافقتهم على قرار ما، مثلما وافقت الأغلبية على منح المشروعية لكيان إسرائيلي ليس جزءا -ولم يكن يوما- من هذه المنطقة. أما عدم نيل فلسطين اعتراف الأمم المتحدة فهو لا ينتقص بمقدار ذرة، من مشروعية انتماء أبنائها إلى أرضها، وانتماء هذه الأرض إلى محيطها العربي. نفس الأمر ينطبق على المغرب، فمشروعية انتماء أقاليمه الصحراوية الشرقية والغربية إليه، هي قضية ليست خاضعة للتصويت أو الآراء، لكن جهده الدبلوماسي ضروري مع ذلك، من أجل تأمين الأصوات الكافية لنزع هذا الملف من الأمم المتحدة، والذي أدخلته إليها القوى الاستعمارية الغربية، بغرض محاربته وابتزازه وتحجيمه وقطع صلاته بمحيطه العربي والأفريقي. وتتمثل جريمة جيرانه وغدرهم، في انخراط جنرالاته في هذا المخطط بكل إخلاص، حتى ولو أدى ذلك إلى هدر مقدرات الجزائر، والتضحية بمصالح ملايين الجزائريين!! واقع على وشك التغير للأبد، بعد تمكن المغرب من الحصول على الأغلبية المطلوبة لإخراج صحرائه من أروقة اللجنة الرابعة، ومن طرد جمهورية تندوف من الاتحاد الأفريقي. إن القول بأن المغرب لن يستفيد من اعتراف “محتل” بسيادته على صحرائه، جوابه البسيط أن اعتراف “دولة إسرائيل”، بغض النظر عن طبيعتها، مرحب به، مثل الترحيب بما سبقه من اعترافات دولية، حتى لو كان من طرف جزر المحيط الهادي المجهرية، طالما تحمل عضوية الأمم المتحدة، لأنه، ببساطة، يقربنا من الأغلبية المطلوبة لإقفال هذا الملف دوليا.
أما الحجة الغبية التي تثير السخرية حقا، فهي القول بأن قبول المغرب اعتراف اسرائيل بالسيادة المغربية على صحرائها، هو “طعنة” في ظهر الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية!! هل أصبحت الصحراء جزءا من الأرض الفلسطينية، لتشكل السيادة المغربية عليها طعنة في ظهر الفلسطينيين؟! أليس الأولى أن يشكل اعتراف السلطة الفلسطينية والجزائر وباقي العرب والمسلمين بملكية إسرائيل لـ 78% من فلسطين التاريخية المحتلة عام 1948، وبالقدس الغربية عاصمة لها، طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني؟! أليس هذا ما ينص عليه حل الدولتين الذي تبشر به السلطة الفلسطينية في كل محفل؟!
كذبة أغبى من سابقتها، تقول بأن المغرب دفع مقابل الاعتراف الإسرائيلي، موافقة على حضور القوات الإسرائيلية إلى حدود الجزائر!! هذا على اعتبار أن “القوة الجزائرية العظمى” هي مصدر ازعاج، وبالتالي استهداف، من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، لذلك تحرصان على تدميرها!! هل يمتلك من يرددون هذه التفاهات أي عقل فعلا؟! أين كنا عندما أصبحت الجزائر مصدر تهديد لإسرائيل؟! وهل تحتاج إسرائيل -في منتصف العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين- إلى الحضور الإسرائيلي الفعلي في دولة مجاورة للجزائر؟! بالله عليكم، هل من يكرر ذلك هو شخص بكامل قواه العقلية؟! وأين ذهبت القوات الجوية والبحرية؟! ولماذا تستهدف اسرائيل أصلا “عملاء فرنسا” في الجزائر؟! وهل تحتاج المغرب، في حال اضطرت لمواجهة وكلاء فرنسا عسكريا، إلى مساعدة أصلا؟! وهل يشترط ذلك وجود قوات إسرائيلية وأمريكية على أرضها، أم أن هناك وسائل أخرى لتلقي المساعدة إن احتاجت لها؟! ثم لنتساءل: هل طلب الرئيس تبون للحماية من القوات الروسية أشرف من التعاون العسكري مع إسرائيل؟! وهل العمالة لفرنسا مقبولة أكثر من التعاون مع إسرائيل؟! أسئلة لا تحتاج للإجابة عليها، سوى لقدرات عقلية لطالب في الابتدائي!!
حتى لا نطيل أكثر، هي أكاذيب ومغالطات بالعشرات، إن كان مفهوما أن مروجيها هم من “أحافير” الحرب الباردة التي لم يتم تحديث أدمغتها منذ السبعينات، فإن المستهجن هو أن تجد آذانا صاغية، تستمع إليها وترددها، من أجيال اليوم؛ لكن تردادها يشكل في النهاية، إدانة دامغة لجميع أنظمة التعليم في كامل دولنا العربية، التي أفرزت “قطعان” تفتقد العقل والمنطق، وتردد الخرافات والأكاذيب، دون حتى محاولة تمحيص مدى قابلية ما يرددونه للتصديق!!