نظم الأسلحة الذكية.. ومكانتها في الحروب القادمة؟!

كتب: د. طارق المجذوب
الأسلحة الذكية نوع من الأسلحة التي تصيب أهدافها بدقةٍ بالغة، وتجيد المراوغة والمناورة، وتعقّب الأهداف العسكرية في الخنادق والأنفاق، وتستطيع تعديل الخطط الموضوعة لها طبقًا لظروف المعركة والمواقع التي يراد ضربها. ومن بين هذه الأسلحة: الطائرة من دون طيار Drone، السايبر Cyber والأقمار الصناعية Satellites.
1. الطائرة من دون طيار كوسيلة حرب
الطائرة من دون طيار هي طائرة يمكن برمجتها مسبقًا أو توجيهها لاسلكيًا في أثناء تحليقها، أي التحكم بها أو السيطرة عليها عن بُعد. من حيث التوجيه، يوجد نوعان منها: الطائرة الموجهة لاسلكيًا والطائرة ذاتية التحكم أو تلقائية التوجيه التي تتمتع باستقلاليةٍ نسبية في معالجة المعلومات أو البيانات المجمعة لديها، واتخاذ القرارات المناسبة في ضوئها. ويمكن تقسيم الطائرات من دون طيار بحسب المهمات التي تضطلع بها إلى ثلاثة أنواع أساسية: أولًا، الطائرات من دون طيار المتخصصة في مجال المراقبة؛ ثانيًا، الطائرات من دون طيار المزودة بصواريخ تطلق من ارتفاعات شاهقة؛ وثالثًا، الطائرات من دون طيار مزدوجة الاستعمال أو الاستخدام، أي التي يمكن استعمالها للغرضَين الآنفي الذكر في آنٍ معًا.
نظرًا إلى تحول الطائرات من دون طيار من منصة استعلام ومسح واستطلاع إلى طائرة متعددة المهمات في العمليات العسكرية الحالية والمستقبلية، كقنابل تُلقى أو صواريخ ذكية تطلق من الطائرات من دون طيار، فالطائرات من دون طيار يمكنها الطيران المتواصل لأسابيع وحمل صواريخ يتجاوز وزنها مئات الكيلوغرامات، والطائرات من دون طيار المبرمجة لاصطياد شخص بعينه. فقد قام المهندسون وفنيو الطيران بأبحاثٍ لتطويرها، ومن بين هذه الطائرات: الطائرات التكتية، الطائرات المضادة للصواريخ البالستية، طائرات العلو المرتفع، طائرات العلو المتوسط، طائرات نقل الجرحى والتموين، الطائرات المصغرة والطائرات المنمنمة التي ستحاكي الطيور والحشرات الطائرة، بعد حل عدد من المشكلات التقنية كالأداء.
2. السايبر كوسيلة حرب
حرب قديمة متجددة تشهدها الدول الكبرى (…) تتداخل فيها الأهداف العسكرية بالأهداف الاقتصادية (…). فضاء هذه الحرب هو الشبكات العنكبوتية التي باتت تسيطر على العالم الافتراضي، وجنودها هم خبراء في علم الكمبيوتر والإنترنت، أذكياء في قدرتهم على اختراق الحواجز الأمنية للمعلومات السرية لدى الخصم أو المنافس وقرصنتها. هذا ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز التي أشارت إلى التحليلات الجنائية السيبرية، والتي برهنت أن وحدة المحاربين السيبريين في الجيش الصيني هي المسؤولة، مع مستوى طفيف من الشك، عن غالبية الهجمات التي تعرّضت لها الشركات الأميركية وحتى الوزارات. وكان الرئيس الأميركي قد حذر من أن الهجمات السيبرية تعد شكلًا من أشكال العدوان الحربي على بلاده، ما يفسح المجال أمام رد عسكري بالمثل. كما أعلن رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي أن الحرب المقبلة قد تبدأ بصاروخٍ يستهدف هيئة الأركان أو بهجوم سايبر واسع على أجهزة الحواسيب المدنية والعسكرية. وقال مؤسس أول منظومة دفاع سايبري في جهاز الأمن العام الإسرائيلي أي الشاباك إيرز كرينر Erez Kreiner: «إنه في أي حرب مقبلة تخوضها الدولة العبرية، ستتعرض لهجماتٍ سيبيرية متعددة، وأنهم سيتمكنون من ضرب أكثر المواقع الإسرائيلية حساسية وأهمية، (…) لافتًا إلى أنه من خلال تجربته، فإن العدو بات على قدر كبير جدًا من التقدم التكنولوجي للإقدام على أعمال من هذا القبيل، تمس مسًا سافرًا بالأمن القومي الإسرائيلي». ونوّه كرينر بأن العدو يمكن أن يشن هجومًا على «إسرائيل» من بريطانيا وفرنسا، مشيرًا إلى أن رؤية الأمن الإسرائيلية الكلاسيكية القائمة على الردع، ثم الردع، ثم الردع، لا تعمل في مجال حرب السايبر، ومن لا يؤمن بذلك، فإنه يتحول إلى انتحاري.
إننا نلمس، إذًا، بعد الاطلاع على الأفكار والمعلومات السابقة، توجهًا دوليًا بارزًا نحو تجاوز عصر الجريمة الإلكترونية كعصابات الجريمة المنظمة وقراصنة الكومبيوتر Hackers إلى الإرهاب السيبراني أو جرائم الإنترنت التي ترعاها دول شغوفة بجنْي أعظم الفوائد التجارية أو العسكرية. ومن المحتمل أن تتوسع الحرب السيبرانية Cyber warfare وتتجذر أكثر فأكثر. ورأى المستشار القانوني للجنة الدولية للصليب الأحمر، لوران جيسيل Laurent Gisel68، أن المقصود بالحرب السيبرانية هو استعمال أساليب الحرب وطرقها التي تشمل عمليات إلكترونية، ترقى إلى مستوى نزاع مسلح أو تستخدم في سياقه، بحسب تعريف القانون الدولي الإنساني. ولعل أفضل تعريف مبسط للحرب السيبرانية هو ذلك الذي يعتبرها مجموعة الأعمال العدائية الموجهة ضد معطيات الدولة الإلكترونية المخزنة أو المعالجة أو المتبادلة من حاسوب إلى آخر، بهدف كشفها أو نسخها أو تعديلها أو إتلافها أو عرقلة تدفّقها، كالهجوم على أجهزة الحواسيب العسكرية، نظم الصواريخ، نظم المراقبة الجوية والمفاعلات النووية.
يعتقد البعض أن الحروب المقبلة قد تبدأ بهجومٍ سيبراني من أجل شل فاعلية النظم الإلكترونية للمواقع أو المنشآت الحيوية، العسكرية والمدنية كالكهرباء، المياه، الطاقة، الاتصالات والمواصلات، فتنهار لاحقًا، ما يُفضي إلى ويلات أعظم من المنازعات المسلحة التقليدية. ويمكن أن تكون هذه الحرب إما مباشرة بين دولتَين أو أكثر، أو من خلال وكيل – أو طرف ثالث – كأن يهاجم خبير روسي ضليع بشؤون الإنترنت ومقيم في ألمانيا، أوكرانيا، عبر خادم إلكتروني Server في بيلاروسيا؛ فإذا لم يوصل التحقيق السيبراني إلى ألمانيا أو لم يكن بين الدولتَين اتفاق تعاون قضائي، يحق لأوكرانيا مهاجمة بيلاروسيا، لأنه لا تبعة على الروسي الذي يبقى مجهول الهوية في الفضاء السيبراني.
أمام هذا الواقع السيبراني في الأرض قال أستاذ مادة التكنولوجيا في جامعة القاهرة الدكتور محمد زين: «إن العديد من وسائل السيطرة والتحكم الخاصة بمعظم العمليات الحيوية الموجودة على الأرض انتقلت إلى الفضاء في صورة أقمار صناعية ومحطات فضائية، كما انتقل أيضًا قطاع واسع من الحروب والمعارك (…) إلى العالم الافتراضي الذي صنعه الإنسان منذ اختراعه الكمبيوتر والذاكرات الإلكترونية وشبكات المعلومات».
3. الأقمار الصناعية كوسيلة حرب
تنوعت عمليات الاستعمال العسكري للأقمار والأجهزة الصناعية التي تجوب الفضاء وتدور حول الأرض، وتراقب ما يجري في ساحات العالم، وتتنصت أو تتجسس على المكالمات الهاتفية واللاسلكية والإذاعية، وتجري الاختبارات العلمية. واستغلت الولايات المتحدة الأميركية هذا التطور العلمي فأعدّت مشروعًا لما أسمته حرب النجوم Star War أو ما يعرف بمبادرة الدفاع الاستراتيجي Strategic Defense Initiative التي أطلقها الرئيس الأميركي رونالد ريغان، في 23 آذار 1983، بمشاركة «إسرائيل»، ألمانيا، بريطانيا وفرنسا.
بما أن عدة دول باتت تتعاطى هذا النشاط الذي يتجاوز حدودها الإقليمية ويمتد إلى حدود الدول الأخرى، فقد أصبح من المنطقي القول (…) «إن احتمال نشوب حرب في الفضاء ليس جديدًا». فبدافع خوفها من الأسلحة النووية السوفياتية (…) بدأت الولايات المتحدة باختبار أسلحة مضادة للأقمار الصناعية في أواخر خمسينيات القرن الماضي، حتى أنها اختبرت القنابل النووية في الفضاء قبل حظر أسلحة الدمار الشامل المدارية، بعد معاهدة الفضاء الخارجي بالأمم المتحدة للعام 1967.
يمكن تصنيف التطبيقات العسكرية لبرامج الفضاء إلى تطبيقات دفاعية وأخرى هجومية، وتستخدم الأقمار الصناعية العسكرية في الحروب في التطبيقات الآتية: الإنذار المبكر، تقدير الأضرار الناجمة عن القصف الجوي أو النووي، الاستطلاع الإلكتروني، التنصت على اتصالات العدو العسكرية، تأمين الاتصالات اللاسلكية المشفرة البعيدة المدى، تقييم العمليات الهجومية للقوات البرية، تصوير الأهداف العسكرية الأرضية، توفير المعلومات الاستخبارية، مراقبة الالتزام بالمعاهدات المتعلقة بالحد من التسلح واستخدام الذخائر الموجهة بالأقمار الصناعية.
إذًا، إننا نلمس توجهًا دوليًا بارزًا نحو تسليح Weaponization أو عسكرة Militarization الفضاء الخارجي Outer space، بسبب شغف دول بجنْي أعظم الفوائد العسكرية. ومن المحتمل أن تتوسع حرب الفضاء الخارجي Outer space warfare وتتجذر أكثر فأكثر.
إن حرب الفضاء الخارجي Outer space war، أو حرب الفضاء Battle space، أو حرب النجوم Star wars هي حرب أسلحتها فضائية تهدف إلى الإضرار ببنية العدو أو إتلافها عبر الفضاء السيبراني Cyber space أو الفضاء الخارجي. كما تشمل هذه الحرب التجسس الفضائي على العدو أيضًا، وهو في الغالب الأعم حاليًا.
لعل أفضل تعريف مبسط لحرب الفضاء الخارجي هو ذلك الذي يعتبرها مجموعة الأعمال العدائية الموجهة ضد الأقمار والأجهزة الصناعية أو معطياتها المخزنة أو المعالجة أو المتبادلة من محطة إرسال فضائية-أرضية إلى محطة استقبال أرضية-فضائية، بهدف كشفها أو نسخها أو تعديلها أو إتلافها أو عرقلة تدفّقها كالتحكم بنظم الصواريخ الباليستية النووية لكوريا الشمالية.
أدى الاهتمام العسكري بنظم الأسلحة الذكية أو نظم الأسلحة المعززة حتى الآن بالذكاء الاصطناعي الضعيف أو المحدود أو الضيق إلى تطوير تشكيلة واسعة منها، كما ذكرنا سابقًا، فتم تصنيف هذه النظم من حيث ذاتية التحكم أو تلقائية التوجيه وعلاقاتها بالمشغّلين الجالسين خلف شاشات الحواسيب إلى ثلاثة أنواع، هي:
– نظم الأسلحة نصف ذاتية التحكم أو نصف التلقائية Semi-autonomous weapons or Human in the loop weapons التي لا تتمتع بـحريتها في التصرف، بسبب خضوعها وارتباطها كليًا بالمشغّلين الجالسين خلف شاشات الحواسيب أي التحكم بهذه النظم أو السيطرة عليها.
– نظم الأسلحة ذات ذاتية التحكم المقيدة أو التلقائية تحت الإشراف، أو إشراف على التلقائية Supervised autonomous weapons or Human on the loop weapons التي لا تتمتع بكامل حريتها في التصرف أي اتخاذ القرارات المناسبة في ضوء المعلومات أو البيانات المجمعة لديها، بسبب خضوعها وارتباطها جزئيًا بالمشغّلين الجالسين خلف شاشات الحواسيب.
– نظم الأسلحة الذاتية التحكم أو التلقائية التوجيه Autonomous weapons or Human out of the loop weapons التي لا تخضع في معالجة المعلومات أو البيانات المجمعة لديها واتخاذ القرارات المناسبة في ضوئها لأوامر المشغّلين الجالسين خلف شاشات الحواسيب ورقابتهم أي ما يعرف، حاليًا، بـ«أطلق وانسَ» Fire and forget بالنسبة إلى بعض الطائرات من دون طيار والقذائف والصواريخ. وفي العام 2040، قد نصل إلى مرحلة ما بعد نظم الأسلحة ذاتية التحكم إلى نظم تفكر وتقرر بعد إطلاقها، أو نظم الأسلحة المعززة بالذكاء الاصطناعي القوي أو العام أو الكامل أو الشامل.
فنظم الأسلحة الذكية المزدوجة الاستعمال أي الأسلحة الذكية التلقائية التوجيه، هي اليوم حديث الساعة في أوكرانيا والعالم. وهي موضع جدل وخلاف بين بعض الأوساط العسكرية، السياسية، الفكرية والقانونية. والحديث عنها يتسم، في كثير من الأحيان، بالغموض أو السطحية أو المناورة. ولعل البعض يتعمد تغليفها بالغموض لإخفاء الأغراض الحقيقية الكامنة وراء المناداة بها.
بعد فترة وجيزة، أصبح هذا النشاط التكنولوجي الذي كان حكرًا على الصين والولايات المتحدة الأميركية وروسيا في متناول دول أو عدة مجموعات دولية، كما ذكرنا سابقًا. وبما أنه غدا قطاعًا متميزًا ومستمرًا من النشاط البشري والاجتماعي، فقد اشتدت الحاجة إلى قانون يحكمه وينظّمه. وبما أن عدة دول باتت تتعاطى هذا النشاط الذي يتجاوز حدودها الإقليمية ويمتد إلى حدود الدول الأخرى، فقد أصبح من المنطقي أن يكون هذا القانون قانونًا دوليًا.
نقلا عن: مجلة الجيش اللبناني (بتصرف)
رابط النص الكامل للدراسة: