استهداف قادة حماس في الدوحة.. إعلان رسمي عن إفلاس حكومة نتنياهو!!

israel attack on doha

أيا كانت أسباب العملية الاستخباراتية الإسرائيلية الأخيرة، التي استهدفت قيادة حماس السياسية في العاصمة القطرية الدوحة، فإنها تؤكد شيئا واحدا فقط: تخبط حكومة نتنياهو في سعيها لتحقيق “صورة نصر” يخرجها من وحل هزيمة أهدافها المعلنة في غزة، ردا على “طوفان الأقصى”، بما يؤذن بقرب نهايتها! عملية استخباراتية “فاشلة” بسبب عجزها عن تنفيذ ما خطط لها من اغتيال القيادة السياسية المتنفذة في حركة حماس، خلال اجتماعها المفترض في الدوحة، حيث اقتصر الضحايا المعلنون حتى اللحظة على نجل زعيم حماس في غزة خليل الحية، مدير مكتبه، وثلاثة عناصر أمنية كانت في المكان المستهدف دون أن يكون من بين الضحايا أي من القادة المستهدفين. ولأن الحدث على درجة عالية من الأهمية، فسنحاول بعجالة أن نقرأ حصيلة المكاسب والخسائر الإسرائيلية، التي يتحمل وزرها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شخصيا، في غياب أي شخصية سياسية أو عسكرية تمتلك جزءا من التأثير الذي يمتلكه رئيس الوزراء الإسرائيلي حاليا، في الحكومة والمعارضة معا.

نبدأ برصد المكاسب، لأنها تكاد تقتصر على مكسب يتيم، كان سيشكل مناسبة للاحتفال في إسرائيل في حال نجاح العملية، وهو المتمثل في إثبات “اليد الطولى” الاستخباراتية الإسرائيلية، لاسيما إذا ما أضيف إلى عمليات مماثلة سابقة تمثلت في اغتيال زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله، ونائبه هاشم صفي الدين، وكذا زعيم حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، والقيادي البارز صالح العاروري، والقادة العسكريين لحماس من يحيى السنوار إلى محمد الضيف، ناهيك عن صفوة قيادة إيران العسكرية وكوكبة من علماء برنامجها النووي. ورغم رمزية الأسماء المذكورة وتأثيرها الشديد في المشهد، فإن الجهات المستهدفة، نجحت بدرجات متفاوتة في استبدالها بقيادات الصف الثاني، مما يضع علامات استفهام كبيرة على القيمة الاستراتيجية لهذه الانتصارات. وبما أن هدف العملية الأخيرة لم يتحقق حتى الآن، فإن مبررات الاحتفال به إسرائيليا ستبقى مؤجلة، حاليا على الأقل، دون التقليل من القدرة الاستخباراتية الإسرائيلية.

وبالانتقال إلى حساب الخسائر، نجد أنها من الضخامة بحيث لا تترك لمعظم المحللين والمراقبين مجالا واسعا دون الوقوع أسرى لشتى “نظريات المؤامرة”، لأن عدم وضعها في حسبان القيادة الإسرائيلية لا يترك مجالا -إذا استثنينا نظريات المؤامرة المختلفة- إلا لتفسير واحد لا ثاني له: أن نتنياهو وحكومته توجد في حالة تخبط تام، وإحباط مطبق، وعجز بالغ عن تحقيق أي من أهدافها المعلنة لحرب غزة: تحرير الرهائن، القضاء على حماس، تهجير سكان القطاع، منع أي جهة فلسطينية من حكم غزة والضفة مستقبلا، وصولا إلى إعدام أي فرصة للحديث عن حل الدولتين “المتجاوز”! وقبل أن نفصل في جرد الخسائر الإسرائيلية الاستراتيجية التي ترتبت على العملية الفاشلة، نشير فقط إلى أبرز نظريات المؤامرة التي تناسلت في الساعات التي تلت العملية، والتي لا نميل شخصيا إلى اعتماد أي منها، بدءا بكون قطر نفسها متواطئة في العملية للتخلص من عبء وجود قيادة حماس على أرضها؛ مرورا بكون تسريب أخبار العملية من قبل أطراف في البيت الأبيض لتحذير قادة حماس عبر قطر، وذلك اعتراضا على نهج الرئيس الأمريكي ترامب المؤيد بشكل أعمى لأفعال ومقاربات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، بهدف تجنب الأسوأ في حال نجحت العملية؛ وانتهاء بكون الرئيس ترامب نفسه هو من شجع نتنياهو على العملية، وهو من أوعز بتسريبها للقطريين، من أجل إفشال نتنياهو وإحراجه والتعجيل برحيله تحت ضغط الداخل الإسرائيلي!

وبالعودة إلى أبرز الخسائر الإسرائيلية، يمكن البدء بتحديد الهدف المنطقي الوحيد للعملية بوضوح، وهو إيقاف كل حديث عن إيقاف الحرب في غزة بناء على المقترح الأمريكي/ الإسرائيلي الأخير، الذي يتحدث عن صفقة شاملة تطلق جميع الأسرى وتمهد لإنهاء الحرب. فمعلوم أن جميع المبادرات الأمريكية السابقة كانت تفتقر إلى عنصري الحياد والجدية، رغم وجود رغبة أمريكية قد تكون حقيقية في إنهاء الحرب، لكن بشروط غير متوفرة حاليا تتعلق باليوم التالي، إذ لا يوجد تصور واضح لكيفية تجريد حماس من أسلحتها، وبالتالي إنهاء وجودها العسكري في قطاع غزة. وهنا، فرغبة نتنياهو المعلنة، رغم كل التصريحات الأمريكية، هي ضد أي حديث عن إنهاء الحرب حاليا أو مستقبلا، وبالتالي كانت العملية الأخيرة أحد الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف، عبر دفع قيادة حماس المستقبلية (في حال نجاح العملية) إلى رفض أي صفقة مع إسرائيل لإنهاء الحرب، ومعها القيادة القطرية التي لا بد سترفض استمرار لعب دور الوسيط، بعد الانتهاك الصارخ لسيادتها، وهو ما تحقق فعليا، ولو بشكل مؤقت، حيث أعلنت عن تعليق جهودها للوساطة إلى حين اتضاح الموقف.

إن أولى الخسائر يتمثل في أن العملية الإسرائيلية لا تنتهك فقط السيادة القطرية التي تمت العملية على أرضها، بل وجميع الدول العربية التي يفترض أن تكون الطائرات الإسرائيلية المهاجمة قد انتهكت أجواءها في طريقها لتنفيذ العملية من الحدود القطرية، أو فوق أجوائها، فالمسافة الفاصلة بين إسرائيل وقطر هي في حدود 1800 كيلومتر، وبالتالي لا يمكن لهذه الطائرات أن تصل إلا عبر دول أخرى محيطة بقطر، وهو ما يحتم على هذه الدول مجتمعة أن تبحث في الرد الجماعي المناسب على انتهاك سيادتها، حفظا لماء الوجه على الأقل.

ثاني الخسائر، يهم العلاقة مع دولتين خليجيتين، مرتبطتين بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ونقصد الإمارات العربية المتحدة والبحرين، والذي يحتم استهداف شقيقة خليجية عليهما أن يقوما بإدانة العملية بأشد العبارات، وهو ما قامت به الدولتان، إذ لا معنى للتضامن الخليجي بدون هذا الموقف الموحد. موقف موحد قد يدفع الدولتين المعنيتين إلى تعليق علاقاتهما مع حكومة نتنياهو، إذا ما قادت النقاشات الخليجية الداخلية إلى توافق على هذا المطلب.

بارتباط مع النقطة السابقة، ينتظر أن تسهم العملية الأخيرة في “إقبار” أي خطوات مستقبلية للتقارب مع المملكة العربية السعودية، على الأقل مع الحكومة التي يرأسها نتنياهو، الذي بالمناسبة لا يظهر أي اهتمام يذكر بملف تطبيع العلاقات مع المملكة، اللهم إلا من باب الإملاء من موقف القوة، وهو ما لا يوجد ما يكفي من مبررات لتصور بأن السعودية وقيادتها في وارد الخضوع له.

بل إن هناك مبررات واقعية للاعتقاد بأن المملكة المغربية، وفي حال اتخاذ موقف خليجي موحد تجاه العربدة الإسرائيلية، أن تلجأ، ومن باب التضامن مع أشقائها الخليجيين، إلى اتخاذ موقف مشابه لما ستتوافق عليه هذه الدول، من تعليق للعلاقات الدبلوماسية وسحب للسفراء أو غيرها من الإجراءات!

رابع أو خامس الخسائر يتعلق بصورة الولايات المتحدة نفسها، التي تتواجد قواعدها العسكرية في منطقة الخليج العربي، بما في ذلك قطر، والتي يفترض -نظريا- أنها أحد أدوات الحماية ضد الاعتداءات التي قد تتعرض لها هذه الدول من أي طرف كان. فانتهاك عسكري كالذي وقع خلال العملية الإسرائيلية، دون أن تحرك القوات الأمريكية العاملة في قطر ساكنا، يضع ظلالا كثيفة من الشك حول أدوارها، ويدفع هذه الدول للبدء في التفكير “بطرق أخرى” لحماية نفسها.

هذا الامر الأخير، قد يدفع الدول الخليجية المتضررة، وفي حال ثبوت وجود ضوء أخضر أمريكي للعملية الإسرائيلية، لممارسة ضغط حقيقي على حكومة الولايات المتحدة، وتحديدا الرئيس ترامب نفسه، باستخدام سلاح المليارات التي تعهدت باستثمارها في الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة، بأن ترهن تنفيذ هذه الوعود بممارسة ضغط أمريكي حقيقي على إسرائيل من أجل الإيقاف التام لهذه الحرب العبثية على غزة، حتى ولو أتى ذلك عبر تنحية نتنياهو واختيار بديل له، وهو ما يمكن للولايات المتحدة تحقيقه إن هي أرادت ذلك.

خسارة أخرى يمكن إيرادها هنا تتعلق بدفع مصر وتركيا إلى تصليب مواقفها تجاه حكومة نتنياهو، ومرورها إلى السرعة القصوى في زيادة إنفاقها العسكري وتحديث ترسانتها، على اعتبار أن في إسرائيل حكومة معادية لا يعرف يقينا من هي ضحية مغامراتها العسكرية التالية. وبالتالين انتقال البلدين من موقع الحياد العملي، إلى موقع أشد تحفزا وعدائية تجاه إسرائيل، وهو آخر ما كانت تحتاجه إسرائيل الغارقة في أوحال غزة.

آخر الخسائر المتوقعة تتعلق بتكريس صورة إسرائيل عالميا، وتحديدا لدى الطرف الأوروبي، كدولة منفلتة من عقالها، بما يكسب الدول الداعية لمعاقبتها اقتصاديا دعما إضافيا تجاه الشركاء الأوروبيين الأكثر تفهما للسلوك الإسرائيلي الهمجي في قطاع غزة، والمنطقة برمتها. سلاح المقاطعة الاقتصادية الأوروبية إن تم تفعيله، سيكون وقعه شديدا على إسرائيل المنهكة اقتصاديا أصلا، لكون الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لإسرائيل.

ختاما، قد يبدو كثير من هذه الخسائر نظريا للبعض، لكن حتى بالتعامل معها باعتبار أنها مجرد احتمالات، فهي احتمالات قوية من شأن تحقق أي منها أن يقود إسرائيل إلى دفع أثمان باهظة لا تبرر المكاسب الهامشية التي يمكن تحقيقها في حال نجاح الضربة. وعليه، وسواء آمنا بنظريات المؤامرة لتفسير ما حصل، أو رفضناها، فإنه بالمحاكمة العقلية السليمة لا يمكن أن نصل سوى للنتيجة التي بدأنا بها: إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومن ورائه حكومة اليمين المتطرف، بل والمشهد السياسي الإسرائيلي برمته يوجد في حالة أزمة، ويتخبط من أجل النزول عن شجرة عدوانه على غزة، دون أن يتمكن من توفير سلم ينزله عن هذه الشجرة بصورة الانتصار التي يرغب بها، والتي يجب قبل كل شيء، أن ترمم قدرته على الردع التي تضررت بشدة، ولأول مرة منذ نشأة الكيان قبل أزيد من 77 عاما!

حول الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *