الدبلوماسية الحضارية: رافعة ناعمة في السياسة الخارجية المغربية

King Mohammed 6 with African Olama2

 الدبلوماسية الحضارية هي نوع من الدبلوماسية يعتمد على توظيف الموروث الثقافي والتاريخي والديني والقيمي للأمة كوسيلة للتواصل والتقارب مع الشعوب والدول الأخرى، بهدف تعزيز العلاقات الدولية وبناء صورة إيجابية عن الدولة في الخارج. وتُعد جزءاً من “القوة الناعمة”، حيث لا تُستخدم فيها الوسائل المادية أو العسكرية، بل تُعتمد فيها عناصر حضارية مثل الثقافة، والفنون، واللغة، والتقاليد، والقيم المشتركة لنشر التأثير وكسب القلوب والعقول.

وفي المغرب تُعد الدبلوماسية الحضارية إحدى أدوات القوة الناعمة التي يتم توظيفها  لتعزيز مكانته الدولية، من خلال استثمار موروثه الثقافي والتاريخي والديني المتنوع. كما تُعتبر هذه الدبلوماسية استراتيجية توظيف القيم الحضارية والثقافية للمملكة المغربية  في خدمة السياسة الخارجية، وفي ظل تراجع دور القوة الصلبة عالمياً.

وبفضل رصيده الحضاري وشرعيته الدينية، يُعدّ المغرب نموذجًا متميّزًا في توظيف الدبلوماسية الحضارية، مما يوفّر له أداة فعّالة لتعزيز حضوره الإقليمي والدولي. ويتجلّى هذا التوظيف من خلال مجموعة من المبادرات والمؤسسات والممارسات التي تستثمر الرصيد الثقافي والديني والتاريخي للمملكة في خدمة سياستها الخارجية. وفي هذه الورقة سنركّز على اربعة مظاهر للديبلوماسية الحضارية المغربية .

1ـ  توظيف الشرعية الدينية في الدبلوماسية المغربية: نموذج الوساطة المعتدلة

يمثّل المغرب نموذجًا فريدًا في توظيف الدين كأداة دبلوماسية ناعمة، مبنية على شرعية روحية عميقة الجذور في تاريخه السياسي والديني، لا سيما من خلال مؤسسة إمارة المؤمنين التي تدمج الدين بالسلطة السياسية في إطار دستوري فريد. تمنح هذه الشرعية الملك محمد السادس، بصفته أمير المؤمنين، مكانة مرجعية دينية رسمية تمكنه من لعب دور محوري داخليًا وخارجيًا، حيث تُرسخ هذه المرجعية مصداقية المغرب كفاعل ديني معترف به. إن هذه الشرعية الروحية ليست مجرد طابع شكلي، بل تتجسد في ممارسات مؤسساتية عملية، تتمثل في إشراف الدولة على الشأن الديني وتكوين الأئمة والمرشدين عبر مؤسسات متخصصة ، الذي يعكس توجه المغرب نحو تبني التدين المعتدل والمنفتح، معتمداً على المذهب المالكي كأساس فقهي، ومنهج الوسطية والاعتدال في الخطاب الديني.

ويكتسب هذا النموذج المغربي بعدًا دبلوماسيًا واضحًا من خلال جهوده في نقل هذه القيم إلى عدد من الدول الإفريقية والأوروبية، ما يعزز من مكانة المغرب كوسيط ديني قادر على مواجهة التطرف وتعزيز قيم الحوار والتعايش السلمي.

 إلى جانب ذلك، تساهم شبكة الزوايا الصوفية المنتشرة في إفريقيا جنوب الصحراء في تعزيز الوساطة الروحية، حيث تجسد هذه الزوايا موروثًا صوفيًا يركز على التسامح والزهد ونبذ العنف، ما يضفي بُعدًا حضاريًا وروحيًا على الوساطة المغربية. إن تكامل الشرعية الروحية مع هذه الوساطة المعتدلة يعكس استراتيجية دبلوماسية متكاملة تهدف إلى تحقيق الأمن الروحي والاستقرار الإقليمي، بالإضافة إلى تحسين صورة الإسلام عالميًا كدين معتدل ومتسامح. ومع تصاعد التحديات الإقليمية مثل انتشار التطرف والاضطرابات السياسية، تبرز الحاجة إلى تعزيز هذا النموذج عبر تطوير مؤسسات دينية قوية، وتحديث مناهج التكوين، بالإضافة إلى استثمار التكنولوجيا والوسائط الرقمية في نشر قيم الاعتدال. في المجمل، تُجسد الدبلوماسية الدينية المغربية حالة استثنائية تجمع بين المرجعية الدينية الراسخة والوساطة الوسطية، مما يمكنها من لعب دور ريادي في تعزيز الحوار بين الثقافات والأديان، وبناء جسور من التفاهم والاحترام المتبادل، ليس فقط في المنطقة الإفريقية بل على المستوى الدولي. إن هذه الرؤية المتوازنة تؤكد أهمية استثمار الدين ليس فقط كعنصر ثقافي وروحي، بل كرافعة استراتيجية تسهم في تحقيق السلام والتنمية المستدامة، وتجعل من المغرب نموذجًا يحتذى به في المنطقة العربية والإسلامية.

2ـ المؤسسات الدينية والتعليمية كأدوات للدبلوماسية الحضارية

يُعدّ الاستثمار في المؤسسات الدينية والتعليمية أحد أبرز أوجه الدبلوماسية الحضارية المغربية، حيث تنظر المملكة إلى هذه المؤسسات باعتبارها منصّات استراتيجية لنقل نموذجها الديني والثقافي المعتدل إلى الخارج، وخاصة إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء والعالم العربي والإسلامي.

في هذا الإطار، يبرز معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات باعتباره إحدى ركائز هذه السياسة، إذ يُشرف على تأطير وتكوين أطر دينية من عدة دول إفريقية وأوروبية وفق النموذج المغربي، الذي يُزاوج بين الاعتدال والانفتاح، ويعتمد المرجعية الدينية المغربية القائمة على المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، والتصوف السني. ويُسهم هذا المعهد في تعزيز الدور الإقليمي والديني للمغرب، وفي مكافحة التطرف والعنف الديني من خلال إنتاج خطاب ديني رصين ومتوازن.

إلى جانب ذلك، تُمثّل جامعة القرويين بفاس، التي تُعد من أعرق الجامعات في العالم الإسلامي، رمزًا للعلم الديني التقليدي، وتُسهم في ترسيخ الحضور المغربي على الصعيد العلمي والديني الدولي. كما تحتضن المملكة شبكة من الكليات والمعاهد التي تُخرّج سنويًا أطرًا دينية قادرة على المساهمة في تفعيل الدبلوماسية الروحية المغربية.

وتُعزّز هذه المؤسسات حضور المغرب في عدد من الدول الإفريقية، حيث تستقبل طلبة وعلماء دينيين، وتُؤطّرهم ضمن برامج تعليمية وروحية تُكرّس التديّن العقلاني والمنفتح. وبهذا، لا تقتصر وظيفة هذه المؤسسات على التعليم، بل تتحوّل إلى أدوات استراتيجية لتوسيع النفوذ الرمزي المغربي، وبناء علاقات روحية وثقافية مع دول الجنوب.

إنّ الدور الذي تؤدّيه هذه المؤسسات يتجاوز الإطار التربوي، ليُشكّل جزءًا لا يتجزأ من السياسة الخارجية المغربية، ويُعزّز صورة المملكة كقوة ناعمة فاعلة تمتلك نموذجًا دينيًا وتعليميًا قابلاً للتصدير، ومقبولًا لدى عدد من الشعوب والدول.

ولا يجب ان ننسى فرادةالنظام  السياسي في المغرب ،الذي  يجمع بين السلطة السياسية والشرعية الدينية. فإمارة المؤمنين، التي يُعتبر الملك محمد السادس حاملًا لها، تمنح العاهل المغربي مكانة دينية خاصة، باعتباره أمير المؤمنين وحامي الدين. وهذه المكانة لا تقتصر فقط على الشأن الداخلي، بل تُعزز أيضًا من دور المغرب على الساحة الدولية، خاصة في القضايا المرتبطة بالدين والحوار بين الأديان ومحاربة التطرف،  كل ذلك  يضيف بُعدًا قويًا للدبلوماسية الحضارية المغربية، لأنها تجعل من المغرب طرفًا موثوقًا ومقبولًا في النقاشات الدينية، ومرجعًا معتدلًا في العالم الإسلامي، وهو ما يعزّز تأثيره الدبلوماسي ويُقوّي حضوره الإقليمي والدولي.

3 ـ   الثقافة والفنون  في خدمة الدبلوماسية الحضارية المغربية

يشكّل التبادل الثقافي والفني إحدى الركائز الأساسية للدبلوماسية الحضارية التي ينهجها المغرب، باعتباره وسيلة فعالة لتعزيز التقارب بين الشعوب، وترسيخ صورة إيجابية عن المملكة كدولة منفتحة ومتنوعة ثقافيًا. وفي هذا الإطار، يبرم المغرب العديد من اتفاقيات التعاون الثقافي مع دول ومؤسسات دولية، بهدف تبادل الخبرات، ودعم المبادرات الفنية، والترويج للغة والثقافة المغربية في الخارج.

وتتجلى أهم أهداف هذه الاتفاقيات في ما يلي:

  • تنظيم أسابيع ثقافية مغربية في الخارج لتعزيز الحضور الرمزي للمملكة.
  • دعم تدريس اللغتين العربية والأمازيغية في عدد من الدول الصديقة.
  • تشجيع التبادل الطلابي والأكاديمي في مجالات الثقافة والفنون.
  • التعاون في مجال صون التراث الثقافي اللامادي وحمايته.

 بالاضافة الى  الاتفاقيات التعاونية و التبادل الثقافي والفني  والتي تشكل  أحد الركائز الأساسية للدبلوماسية الحضارية التي ينتهجها المغرب، حيث  تسهم في تعزيز التقارب بين الشعوب، وتقديم صورة إيجابية عن المملكة كبلد منفتح ومتنوع ثقافيًا. فان المملكة المغربية تنظم سنويًا عددًا من المهرجانات الثقافية والفنية ذات الصيت العالمي، والتي تساهم في مد جسور الحوار الثقافي مع مختلف دول العالم، ضمن السعي  لتصدير ثقافتها وفنونها من خلال التعاون الثقافي، والمعارض، والبعثات الفنية بالخارج. فالثقافة المغربية تعتبر جسراً بين الحضارات، خاصة بين إفريقيا والعالم العربي وأوروبا.ومن اكبر الفعاليات التي ينظمها المغرب سنويا لتعزيز ديبلوماسيته الحضارية:

  • مهرجان موازين – الرباط:  أحد أكبر المهرجانات الموسيقية في العالم، يستقطب فنانين عالميين ويجمع بين الموسيقى الغربية والعربية والإفريقية، ما يعكس انفتاح المغرب على الثقافات العالمية.
  • مهرجان فاس للموسيقى الروحية:  يروّج للحوار بين الأديان والثقافات من خلال الموسيقى الصوفية والروحية، ويعد منصة للتسامح والتعايش الديني.
  • مهرجان كناوة – الصويرة :  يحتفي بالتراث الإفريقي المغربي ويُسهم في الحفاظ على     الهوية الثقافية الإفريقية للمغرب، ويعزز الروابط مع شعوب القارة السمراء.

      كما تحتضن المملكة مؤسسات عريقة مثل “جامعة القرويين” في فاس، إلى جانب شبكة واسعة من الزوايا والطرق الصوفية التي تُشكّل امتدادًا روحيًا وثقافيًا في إفريقيا جنوب الصحراء. وتُعد هذه الزوايا رافعة موازية للدبلوماسية الدينية المغربية، لما تقوم به من دور في نشر القيم الصوفية القائمة على التسامح والاعتدال، مما يرسّخ صورة المغرب كمرجعية دينية معتدلة، ويُعزز حضوره كقوة ناعمة مؤثرة في عمقه الإفريقي.

 4ـ  الديبلوماسية الاجتماعية والانسانية للمغرب  وتقديم الدعم الانساني  والاجتماعي للدول الافريقية والعربية .

تمثل الدبلوماسية الاجتماعية والإنسانية أحد أركان الدبلوماسية الحضارية المغربية التي تجسد القيم الأساسية للهوية الوطنية المغربية، بما في ذلك التضامن، والتكافل الاجتماعي، والرحمة. وتعكس هذه الدبلوماسية التزام المملكة بدعم الشعوب الإفريقية والعربية، عبر مبادرات تنموية وإنسانية متنوعة تهدف إلى تعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة في مناطق جغرافية تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وصحية كبيرة.

من أبرز مظاهر هذه الدبلوماسية الدعم المباشر لمشاريع التنمية الاجتماعية:

  • على الصعيد الافريقي

 حيث يشارك المغرب في تمويل وبناء مؤسسات صحية وتعليمية في العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، كالمستشفيات والمراكز الصحية التي تسهم في تحسين الخدمات الطبية، ودعم برامج مكافحة الأمراض، ولا سيما في مناطق تعاني من ضعف البنية التحتية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، تنفذ المملكة برامج لمكافحة الفقر وتحسين الظروف المعيشية، من خلال مشاريع تنموية تُعنى بالبنية التحتية، كالطرق والمدارس والمرافق العامة، كما تسعى إلى دعم قطاعات الزراعة والمياه لضمان الأمن الغذائي.

على سبيل المثال، تُعدّ مبادرة المغرب من أجل إفريقيا واحدة من أبرز المشاريع التي تجسّد الدبلوماسية الاجتماعية والإنسانية المغربية، حيث تم إطلاقها من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس  بهدف دعم التنمية المستدامة في العديد من الدول الإفريقية من خلال تمويل مشاريع تنموية متنوعة تشمل البنية التحتية الصحية والتعليمية، وتحسين شبكة الطرق والمرافق العامة. في قطاع الصحة،كما  أرسل المغرب عدة فرق طبية إلى دول مثل موريتانيا، والسنغال، ومالي، لتقديم الرعاية الطبية المجانية، وتنظيم حملات تطعيم ضد الأمراض المعدية، ما ساعد في تعزيز قدرات هذه البلدان على مواجهة تحديات صحية مزمنة.

كما يُعدُّ برنامج مغاربة العالم مبادرة اجتماعية هامة، حيث يسعى إلى دعم المغاربة المقيمين بالخارج من خلال توفير خدمات اجتماعية وثقافية، ويرتبط هذا البرنامج أيضًا بتعزيز الروابط مع الجاليات الإفريقية المقيمة بالمغرب، ما يسهم في بناء جسور تفاهم وإنسانية بين المغرب والدول الإفريقية.

وعلى صعيد التعليم، يمنح المغرب آلاف المنح الدراسية سنويًا لطلاب من دول إفريقية وعربية عبر برنامج منح التفوق، فضلاً عن دعم مراكز التكوين المهني في دول الساحل، مثل مراكز تدريب الشباب في النيجر وبوركينا فاسو، التي تستهدف تمكين الشباب وتعزيز فرص العمل، ما ينعكس إيجابيًا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان.

أيضًا، خلال جائحة كورونا، أظهرت الدبلوماسية الإنسانية المغربية تفاعلًا سريعًا من خلال إرسال مساعدات طبية ومواد وقائية إلى العديد من الدول الإفريقية، إلى جانب تنظيم حملات توعية صحية مشتركة، الأمر الذي عزز صورة المغرب كدولة مسؤولة وفاعلة على الساحة الدولية.

هذه الأمثلة وغيرها تؤكد أن الدبلوماسية الاجتماعية والإنسانية المغربية ليست مجرد شعار، بل هي استراتيجية متكاملة تسعى من خلالها المملكة إلى بناء علاقات متينة مع محيطها الإقليمي والدولي، وتعزيز التضامن والتنمية المستدامة، في إطار من القيم الحضارية التي يتميز بها المغرب.

تتجسد الدبلوماسية الاجتماعية والإنسانية أيضًا في مبادرات التعاون الطبي والعلمي، عبر إرسال فرق طبية متخصصة للمناطق التي تعاني أزمات صحية، وتنظيم حملات تحسيسية مشتركة، إلى جانب تقديم مساعدات عاجلة في حالات الكوارث الطبيعية أو الأزمات الإنسانية. ويُضاف إلى ذلك الجهود المغربية في تعزيز التعليم والتكوين المهني للشباب، من خلال منح دراسية وبرامج تدريبية موجهة لدول الشقيقة، ما يسهم في بناء قدرات بشرية مؤهلة تعزز التنمية الشاملة.

على الصعيد العربي

من الامثلة البارزة والواضحة عن الدبلوماسية الاجتماعية والإنسانية للمغرب، وخاصة الدعم الذي قدمه ويقدمه المغرب  للدول العربية نذكر :

  • دعم المغرب للبنان

في أعقاب انفجار مرفأ بيروت الذي وقع يوم 4 غشت 2020، أطلق الملك محمد السادس مبادرة إنسانية عاجلة تجلت في:إقامة مستشفى عسكري ميداني مغربي في بيروت، مزودًا بتجهيزات حديثة وأطقم طبية متعددة التخصصات حيث تولى  المستشفى تقديم العلاجات الجراحية والاستشفائية والنفسية لمئات الجرحى والمتضررين من الانفجارعلى مختلف طوائفهم ومشاربهم ، بالاضافة الى ارسال شحنات ضخمة من المساعدات الإنسانية بأكثرمن 18 طائرة عسكرية مغربية محملة بمساعدات إنسانية واطنان من المواد الغذائية ، اضافة الى تخصيص  منحًا دراسية سنوية للطلبة اللبنانيين للدراسة في الجامعات والمعاهد العليا المغربية. كما ساهمت المملكة عبر مؤسسة محمد الخامس للتضامن، في دعم أنشطة إنسانية واجتماعية في لبنان بالتعاون مع جمعيات لبنانية. ولا يمكن ان ينسى لبنان ما قدمه  المغرب من مساعدات للجيش اللبناني لمساعدته على تحقيق الامن والاستقرار في لبنان.

دعم المغرب لفلسطين

 لطالما كان المغرب من أبرز الدول الداعمة للقضية الفلسطينية على المستويين السياسي والإنساني. حيث يشكل دعم المغرب السياسي للقضية الفلسطينية جزءًا من الدبلوماسية الإنسانية التي تكرسها.ومن بعض اشكال هذا الدعم  نجد الدعم السياسي والدبلوماسي الثابت
حيث يؤكد المغرب في كل المحافل الدولية والإقليمية التزامه الثابت بدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية. بالاضافة الى رئاسة الملك محمد السادس  لجنة القدس وهو ما يعكس دور المغرب المركزي في الدفاع عن المدينة المقدسة على المستوى السياسي والديني والإنساني. ولا يجب ان ننسى وكالة بيت مال القدس الشريف: وهي الذراع الميدانية للجنة القدس، وتتخذ من الرباط مقرًا لها. تقوم بتمويل مشاريع تنموية وإنسانية مباشرة في القدس وفلسطين.

وتجدر الاشارة الى ان المغرب يُرسل بشكل دوري مساعدات إنسانية  وغذائية إلى قطاع غزة والضفة الغربية، ومستشفيات ميدانية مغربية  في الحروب التي تشهدها غزة منذ عام  2014، وتقديم منح دراسية للطلبة الفلسطينيين في مختلف التخصصات الجامعية والمهنية، في المغرب مما يسهم في تكوين نخب فلسطينية في الطب، الهندسة، القانون، والعلوم الاجتماعية.

دعم المغرب  لدول عربية واوروبية  اخرى

في إطار التضامن المغاربي، قدم المغرب دعمًا صحيًا وتدريبيًا لتونس، خاصة خلال فترات الأزمات الصحية مثل جائحة كورونا. وشملت هذه المساعدات توريد معدات طبية، وتبادل خبرات في مجالات الصحة العمومية والتنمية الاجتماعية. كما امتدت امتدت المبادرات المغربية الإنسانية إلى دول عربية أخرى مثل اليمن، حيث ساهم المغرب في تقديم مساعدات غذائية وصحية، إضافة إلى دعم جهود الإغاثة التي تنفذها المنظمات الدولية. كما شارك المغرب في برامج إعادة التأهيل والدعم النفسي للمتضررين من النزاعات في هذه الدول.

وفي اطار الديبلوماسية الحضارية التي تقوم بها المملكة المغربية  تنفذ المملكو  برامج  التعاون الاجتماعي والتنمية البشريةحيث  يعمل المغرب على تأسيس برامج تنموية طويلة الأمد مع بعض الدول العربية، تهدف إلى تحسين مستوى التعليم والصحة والبنية التحتية الاجتماعية. وتتم هذه البرامج عبر التعاون مع مؤسسات دولية وإقليمية، وتهدف إلى بناء قدرات محلية مستدامة.

على الصعيد الدولي يجب ان لا ننسى مساهمة المغرب في دعم كاتدرائية نوتردام بباريس، التي تعرضت لحريق مهول في أبريل 2019، حيث خلف الحريق صدمة عالمية، بالنظر إلى الأهمية الثقافية والدينية للمكان، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر الميلادي.

واعتبرت هذه المبادرة المغربية تعبيرا عن التزام المغرب بقيم التعايش الحضاري والديني، واحترامه للتراث الإنساني، سواء الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي ، كما تندرج في إطار الدبلوماسية الانسانية والاجتماعية والثقافية التي ينهجها المغرب لتعزيز صورته كبلد للتسامح والانفتاح والتعاون بين الحضارات.

وفي الخلاصة وعلى ضوء ما سبق في ضوء ما سبق، يتّضح أن الدبلوماسية الحضارية للمغرب  تُشكّل أحد المكونات الأساسية في السياسة الخارجية المغربية، لما توفره من أدوات ناعمة قادرة على التأثير في السياقات الإقليمية والدولية، بعيداً عن منطق الإكراه أو الصراع. ومن خلال توظيف الرأسمال الرمزي للمملكة—الديني والثقافي والتاريخي—نجح المغرب في ترسيخ صورة إيجابية عن ذاته كبلد للتعددية والانفتاح والاعتدال فهذه الدبلوماسية الحضارية مكمّلة للدبلوماسية السياسية والاقتصادية وليست بديلاً عنها، إذ تُشكّل رافداً استراتيجياً يُعزّز من الحضور الإقليمي والدولي للمملكة وترسيخ صورتها كدولة مستقرة ومنفتحة، تتبنى قيم التسامح والحوار بين الثقافات والحضارات في سياق دولي يتزايد فيه التنافس على القوة الرمزية والمعنوية.

حول المؤلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *