تساؤلات ضرورية على هامش أزمة النظام الجزائري مع الإمارات!

Tebboune and Ben Zayed

منذ أن قررت جهة متنفذة ما في النظام الجزائري فتح نيرانها على دولة الإمارات العربية المتحدة نهاية الأسبوع الماضي، لم تنفك دائرة الأسئلة والتأويلات المحيطة بالأزمة تتسع يوما بعد آخر، في محاولة لوضع سيناريو معقول يستطيع الإجابة على الأسئلة المتعلقة بتوقيت الأزمة، أسبابها الحقيقية، والجناح الذي يقف وراءها، لاسيما وأن الهجوم اللفظي الأخير، وإن كان الأعنف، فهو لم يكن الأول. ولعل العنصر المشترك الوحيد بين جميع هذه الأسئلة والتأويلات المطروحة، هو عدم اقتناع أي من أبواق النظام ومناوئيه، ناهيك عن متابعي الشأن الجزائري من خارج خريطته، بالرواية التي ساقها النظام العسكري وإعلامه لتبرير هذه الهجمة، التي بلغت دركا من الانحطاط اللغوي والقيمي قل نظيره بين الدول العربية. وهنا، يمكن لنا تفنيد جميع أركان الرواية الرسمية الجزائرية بطريقة بسيطة، لا تصل بالضرورة إلى رواية حاسمة، بمقدار ما تنسف الرواية الجزائرية المعلنة.

بداية، فالقول بأن تصريحات المؤرخ محمد الأمين بلغيث الخاصة بالأمازيغية “تهدد الوحدة الوطنية الجزائرية”، وان الإمارات، عبر قناتها سكاي نيوز عربية، قد تعمدت تأجيج هذا الخطر المهدد للوحدة الوطنية الجزائرية، كلام متهافت لم يقنع أيا من الجزائريين أنفسهم. فلم يكن في كلام الرجل عن فرنسا أو الأمازيغية أي كلمة جديدة لم يسبق له قولها عبر وسائل الإعلام الجزائري مرارا وتكرارا، دون أن يتم توجيه حتى تنبيه له، ناهيك عن اعتقاله وعرض قضيته على القضاء! ليبقى التساؤل المشروع من طرف الجميع حائرا دون إجابة: ما الجديد هذه المرة لتقوم القيامة على بلغيث بسبب كلام قاله مرارا وتكرارا عبر وسائل الإعلام الجزائرية؟! وهنا، نجد أنفسنا ملزمين بوجاهة التفسير البسيط الذي يقول بأن الأمر برمته لا يعدو كونه “حجة” مبيتة، من غير المستبعد أن تكون أطراف في النظام قد طلبت من بلغيث، وربما تم استدراج المذيعة الجزائرية فضيلة السويسي معه، لعرض هذه المسرحية المكررة على قناة إماراتية، لعمل هذه الضجة بأكملها.

ثاني الأسئلة التي تكررت بكثرة: كيف يتم الرد على “راي أكاديمي” حتى ولو كان متطرفا، يعرض في سياق برنامج تلفزيوني، بغض النظر عن ملكية القناة العارضة، بتصعيد يتمثل في كلام “ساقط”، لم يقتصر على قيادة الإمارات، بل وشعبها وكيانها نفسه، وهي ربما تكون سابقة عربية وإسلامية وعالمية!! فالهجومات اللفظية بين القيادات العربية وعليها، هو أمر اعتدنا عليه من طرف عدد كبير من الأنظمة “التقدمية” بالأساس، وإن لم يقتصر عليها. لكن النادر، هو انسحاب الإهانات على كيانات الدول وشعوبها، بلغة تعميمية فجة لم يسبق لها مثيل. وقد جرت العادة عند كل تهجم أن يفصل المتكلم بين النظام والشعب المعني بهجومه، حتى بين ألد الخصوم، فكيف سمح للتلفزيون الحكومي أن يتجاوز جميع الخطوط الحمر، ويسجل مثل هذه السابقة التي ستبقى “وصمة عار” في جبين الدبلوماسية والإعلام الجزائريين؟! في الحقيقة، لا يوجد عداء يبرر مثل هذه السقطة، والتفسير الأقرب للمنطق أن النظام الجزائري مأزوم بكل ما تعنيه الكلمة، ومشتت بين أكثر من مصدر للقرار ولم يعد له رأس يوجهه، ناهيك عما نعلمه من انعدام كفاءة من يتولون شؤونه الأمنية والدبلوماسية والإعلامية. وقد تبدو العبارة الأخيرة مستغربة، لكن سلسلة ردود الأفعال المتشنجة للنظام الجزائري، من مواقفه السياسية تجاه الإمارات وفرنسا واسبانيا، ومحاولات مخابراته لإسكات المعارضين الخارجيين بالخطف والقرصنة، ناهيك عن المتابعات القضائية لآراء محللين وكتاب كما حدث مع بوعلام صنصال ومحمد الأمين بلغيث، كلها تؤكد ما نذهب إليه من انعدام كفاءة المسؤولين الجزائريين، من رأس الدولة تبون، إلى الجيش السعيد شنقريحة، إلى أصغر موظف في جهاز الدولة الجزائرية.

أما رواية النظام التي يراد لها أن تفسر العداء تجاه دولة الإمارات، فهي اكثر تهافتا. فربط هذه العداء مرة بعلاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ومرة باعترافها بمغربية الصحراء، ومرة بعلاقاتها الاقتصادية الاستراتيجية مع “العدو” المغربي، ومرة بتحريضها دول جوار الجزائر على “مكة الثوار”، كلها مدعاة للسخرية الشديدة. فإسرائيل تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع أكثر من 40 دولة أفريقية، ناهيك عن تركيا، ولم نسمع أن الجزائر عادت أيا من هذه الدول أو تهجمت عليها لهذا السبب! أما العلاقات المغربية الإماراتية، فهي بهذه المتانة، سياسيا واقتصاديا، منذ عقود طويلة، فما الجديد الذي حول الموقف الجزائري منها الآن. كما أن الولايات المتحدة نفسها هي اول من دشن مرحلة الاعترافات الصريحة بمغربية الصحراء، دون أن نسمع أن الجزائر قامت بالتهجم على بلاد العم سام، أو قالت في حقه ما يسوء. اما تحميل الإمارات مسؤولية سوء علاقات الجزائر مع جوارها، فهي لعمري تهمة لا تقل تهافتا، مع معرفة القاصي والداني بالفضائح الدبلوماسية التي مارستها وتمارسها الجزائر تجاه مالي وموريتانيا وليبيا، ناهيك عن المغرب، والتي لا تحتاج إلى “مساعدة” إماراتية لتأزيم هذه العلاقات.

وبنظرة واقعية، وبعد أن أسفر النظام الجزائري عن وجهه القبيح لدولة الإمارات، كيانا وقيادة وشعبا، يجب أن لا يتوقع هذا النظام امتناع الإمارات عن استخدام أوراقها “الناعمة والخشنة” في الرد على ما وجه إليها من إهانات على يد هذا النظام، وأن لا تشكو في حال قامت الإمارات “بإيلام” الجزائر عبر علاقاتها الدولية والأفريقية والعربية والإسلامية! فمن رفع راية الحرب في وجه الإمارات، وتوعد نظام العسكر “برد الصاع صاعين”، لم يترك لنفسه سوى أحد خيارين، نعلم أن أحلاهما مر: الاعتذار الواضح والصريح، والتبرؤ من البيان الفضيحة الذي بثه التلفزيون الجزائري الرسمي، وهو خيار يصعب تصوره، وإن كان في المحصلة هو الأخف وطأة، أو الدخول في مواجهة مفتوحة مع الإمارات وحلفائها العرب (مصر وتونس وليبيا وموريتانيا) والأفارقة (مالي والنيجر وجنوب أفريقيا وغيرها)، والدوليين (روسيا والولايات المتحدة والهند وفرنسا وغيرها). خيار يعرف الجنرالات أكثر من غيرهم عظم الفاتورة التي سيدفعونها في سياق هذه الحرب المفتوحة!

كخلاصة، وبعيدا عن الاسترسال في بث الرسائل المتناقضة من قبل النظام في الجزائر، فقد أدخلوا أنفسهم في مأزق يجب أن يتحملوا تبعاته، وعليهم سريعا أن يستعدوا للتضحية “بكبش فداء” عالي الأهمية على مذبح هذه الأزمة، على أمل تجنب الأسوأ، المتمثل في حرب مفتوحة الساحات والأدوات مع “دويلة” استغلت سنوات استقلالها في تقوية نسيجها الداخلي، وتقوية مواقعها الدولية، وامتلكت من الأدوات ما يمكنها من التعجيل في كتابة الفصل الأخير من عمر هذا النظام الفاقد للشرعية والصلاحية، وبالتالي تخليص البلاد والعباد وباقي دول المنطقة مما يسميه الجزائريون أنفسهم: “العصابة”!!

حول المؤلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *