ما هو سر العلاقة الفريدة بين العرش والشعب في المغرب؟

3 kings

يعيش المغاربة هذه الأيام أجواء فرح مزدوج هذه الأيام، احتفالا بالذكرى 72 لثورة الملك والشعب من جهة، وبالذكرى 62 لعيد الشباب (ذكرى ميلاد الملك محمد السادس) من جهة أخرى. قد تبدو هذه المناسبات الرسمية لكثير من المواطنين العرب، إن لم يكن معظمهم، مجرد مناسبات أهم ما فيها أنها أيام عطل رسمية من العمل، لكن في المغرب فالقصة مختلفة تماما! وسنحاول في السطور التالية، إيضاح ما الذي يميز هذه المناسبات في المملكة المغربية عن باقي الدول العربية، متخذين من ثورة الملك والشعب نموذجا.

ولتكن البداية مع مقدمة بسيطة حول رمزية الحدث. ففي مثل هذا اليوم (20 أغسطس) من عام 1953، قامت سلطات الحماية الفرنسية بنفي الملك محمد الخامس والأسرة الملكية ليلة عيد الأضحى إلى جزيرة كورسيكا، قبل أن تعيد نفيهم في يناير 1955 إلى مدغشقر. هذا السلوك الاستعماري الذي لم تحسن السلطات الفرنسية تقدير تبعاته، أشعل ثورة شعبية في مختلف ربوع المغرب، ساهمت في تأجيج المقاومة لفرنسا بمختلف أشكالها. هنا بدا واضحا مدى تجذر شرعية النظام الملكي في المغرب، بعد أزيد من اثني عشر قرنا من استمراره، ومدى تعلق المغاربة بملكهم، الذي كان في نظر أفريقيا كاملة، وليس في نظر المغاربة فحسب، زعيما تحرريا لا يمكن فصم عرى البيعة بينه وبين أبناء شعبه. هذه الثورة، وبعد كثير من العناد والمكابرة من طرف المستعمر الفرنسي، أسفرت عن تراجع هذا الأخير عن قراره، والسماح للملك محمد الخامس وأسرته بالعودة للمغرب في 16 نوفمبر 1955.

لكن، وإن كان فتيل إشعال هذه الثورة قد جاء نصرة للملك المحرر، فما الذي دفع المغاربة إلى الاستمرار في الاحتفال بها، كتجسيد للرابطة التي لا تنفصم بين الملك والشعب في المغرب؟ لماذا احتفلوا بها على مدى السبعين عاما الموالية، في عهدي المغفور له الملك الحسن الثاني، ومن بعده الملك محمد السادس؟

بالنسبة للملك الحسن الثاني رحمه الله، يحفظ له المغاربة قيادته لسفينتهم في خضم الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وتغلبه على أمواج “المد الثوري” الذي اجتاح العالم العربي سنوات الستينات والسبعينات، وما شهدته من انقلابات مرتبطة بالحقبة الناصرية، والتي أنهت حكم الملكيات في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وحولت هذه الدول إلى جمهوريات ليس لها من اسمها نصيب! لقد شكلت قيادة الملك الحسن الثاني لبلاده مصدر فخر للمغاربة، الذين يحفظون له حتى الآن مبادراته المبتكرة في إدارة المياه عبر السدود، ناهيك عن إدارته الحكيمة للانتقال الديمقراطي المتمثل فيما عرف “بالتناوب السياسي”، والذي دشن عصر الحكومات الائتلافية ذات الطبيعة السياسية الحزبية، وسمح للتيارات الاشتراكية والقومية بالوصول إلى ترؤس وإدارة التجربة الحكومية، والتي قادت لاحقا إلى مجيء الإسلاميين. وهكذا، يحفظ المغاربة لملكهم الراحل ثورته السياسية والإدارية، التي منحته لقب “الملك الباني” لتمييزه عن والده الراحل “الملك المحرر”، الأمر الذي أعطى لاحتفالهم السنوي بذكرى 20 أغسطس مبررها ومعناها.

لتأتي بعدها حقبة العاهل المغربي الملك محمد السادس، بما حملته من إنجازات كرست شغف المغاربة بالاحتفال السنوي بثورة العرش والشعب، بحرارة وحماس أكبر. فملكهم الذي كان اهتمامه بالفقراء مصدر انشغاله وعنايته منذ كان وليا للعهد، أكسبه محبة هذه الفئة على مدى ربع القرن الماضي. كما أن شجاعته التي تجسدت في “المفهوم الجديد للسلطة“؛ وفي تجربة “الإنصاف والمصالحة”؛ و “دستور 2011″، وغيرها، ساهمت في صنع واقع حقوقي راسخ، زاد من إحساس المغاربة بكرامتهم، وفي صناعة جيل كامل واع بحقوقه وواجباته، معتز بانتمائه الوطني، ومنخرط في بناء هذا الوطن العزيز. ثورة أخرى على صعيد البنى التحتية، التصنيع، بمواكبة تبني “مقاربة تنموية جديدة”، كلها وضعت المغرب على سكة التحول إلى قوة ناشئة، ونقلت المغاربة إلى فئة الدخل المتوسط عالميا، وأهّلت بلادهم لتبوء الريادة الأفريقية في شتى المجالات، وهو الأمر الذي ينعكس يوميا في توسع الطبقة الوسطى، وفي زيادة تفاؤل المغاربة بمستقبلهم في مختلف استطلاعات الرأي العالمية. وتزامنت هذه الثورات مع ثورة سياسية حسمت ملف الوحدة الترابية للمملكة، ووضعت قطار الحكومات الحزبية على سكة صلبة لا تراجع فيها للوراء، الأمر الذي جعل المغرب واحة استقرار في محيط إقليمي وقاري مضطرب. ومما زاد في صلابة هذا الاستقرار، الجهد الهائل الذي بذل على صعيد تحصين الواقع الأمني للمغاربة، وحمايتهم من موجة الإرهاب المتطرف المنسوب زورا للإسلام تحت مسمى “الجهاد”، لدرجة أصبحت التجربة المغربية مدرسة قائمة بذاتها، تستعين بخبرتها أعتى الديمقراطيات في العالم. هذا دون نسيان “الأمن الروحي” للمغاربة الذي تم تحصينه عبر منظومة قانونية تدمج متطلبات واقع اليوم مع ثوابت الدين الحنيف، في تناغم قل نظيره في باقي الدول العربية والإسلامية.

لكل هذه الأسباب وغيرها، لا يبدو مستغربا حرص المغاربة على الاحتفال بهذه المناسبة بحماس وحب، تجسيدا لما يربطهم بعرشهم والجالس عليه من تقدير ومحبة صادقين، كيف لا وقد أصبح المغرب في عهد الملوك الثلاثة، نموذجا عربيا وإسلاميا لا يضاهى؛ وأصبحت بلادهم واحة للاستقرار، والأمن بأبعاده المختلفة، والنمو الاقتصادي المضطرد؛ ولمس كل مغربي بيديه، بعيدا عن الدعاية الإعلامية المستخدمة عربيا بإفراط، أهمية أن تكون مغربيا، مع الإنجازات التي يحققها أبناؤه داخل وخرج البلاد، مما أكسبهم سمعة عالمية وليس فقط أفريقية.

كخلاصة، لقد احتفل المغاربة بالثورة التي جمعتهم بعرشهم في تحرير البلاد، حمايتها، وتطويرها في عهد ثلاثة ملوك عظام، وسيستمرون في الاحتفال بهذه المناسبة الغالية ما دامت مسيرة المملكة الشريفة مستمرة، مقدمين نموذجا عربيا وإسلاميا فريدا لعلاقة المحبة والإخلاص المتبادل مع عرشهم، مجددين العهد سنويا على استمرار هذه الثورة في شتى مناحي حياتهم، لتحسين مستوى عيشهم، والحفاظ على استقرار ومنعة مملكتهم، تاركين لأحفادهم بلدا يعتزون به لمئات السنوات القادمة.

حول المؤلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *