من خطاب العرش إلى ضمير الأمة: مغرب لا يُقصي أحدًا

King Mohammed 6 Eid Alarch

كتب: د. عبد الله بوصوف (مؤرخ، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج)

لم نعد  نستغرب من قوة مضامين الخطابات الملكية، بل إن كل خطاب يحمل زاوية جديدة، مع احتفاظه بنسق  فريد ومترابط مع باقي الخطابات السامية السابقة. لقد حرص كبير العائلة المغربية على مخاطبة شعبه الوفي باستعماله  لضمير ” أنت “، ويناقشه بوضع أسئلة وإشكاليات من طينة “السهل/ الممتنع “، وهو ما عشناه في خطاب العرش لسنة 2025، بطرحه لأسئلة جوهرية، بعد إحاطة مهمة لعدد الإنجازات التي لم تكن وليدة الصدفة المحضة، بل العمل الدؤوب والمجهود الخرافي  والرؤية البعيدة  المدى لصاحب الجلالة، بالإضافة إلى عوامل الاستقرار السياسي والأمني، وصواب الاختيارات الاستراتيجية.

خطاب العرش لسنة 2025 وكعادة الخطابات السامية الأخرى، قام بعملية استفزاز إيجابي قوية، بتساؤله عن ماذا حققناه من مكاسب؟ وما ينتظرنا من مشاريع وتحديات؟ للتوجه نحو المستقبل بثقة وتفاؤل. خطاب، أعتقد أنه كان يهدف إلى نصحنا، وهو الناصح الأمين، بعدم الغرور أو الثقة العمياء وأنه لازال أمامنا الكثير من العمل، وأن كل ما  حققناه هو فقط حلقة صغيرة ضمن رؤية مندمجة وتصور  “بانورامي ” لمغرب اليوم، الذي لا يترك أي فرد فيه في الخلف، وهي ذات الرؤية الملكية المتكاملة التي تسعى لتقديم إجابات واضحة وصريحة، على انتظارات المواطن في المدن والبوادي والمداشر.

لذلك، يذكرنا جلالة الملك عبر خطابه السامي، أنه لا مجال لمغرب يسير بسرعتين، وأنه لابد من تغيير العجلة والانتقال إلى التنمية المجالية المستدامة، في سبيل تحقيق عدالة مجالية تستجيب لمتطلبات المواطن، في مجالات الصحة والتشغيل والتغطية الاجتماعية، مع تثمين الخصوصيات المحلية.

حديث جلالة الملك محمد السادس إلى الأمة في ذكرى عيد العرش المجيد لسنة 2025 كان احتفالا بمنجزات تتكلم بلغة أرقام، رفعت المغرب إلى قائمة دول ” التنمية البشرية العالية “،  إذ انخفض مستوى الفقر  من 11.9  سنة 2014 الى 6.8 سنة 2024، وتضاعفت صادرات المغرب الصناعية، وجعلت من المغرب أرض جذب استثمارات وشركاء متعددين، واتفاقيات تبادل حر عديدة بنحو ثلاثة مليارات مستهلك، بفضل بنيته التحتية القوية والحديثة. إنه المغرب الصاعد، الحريص على أمنه واستقراره وسيادته الغذائية والطاقية والصحية، والحريص على تنمية كل مناطقه وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية بدون إقصاء أو تهميش، رغم كل التحديات والمعيقات، الأمر الذي يضمن مواجهة المستقبل بكل أمل وتفاؤل.

لقد كان كبير العائلة، وكعادته، حريصا على مكاشفة أفراد العائلة المغربية بخصوص ملف الوحدة الترابية والوطنية، وأعلن على رؤوس الأشهاد عن يده الممدودة للشعب الجزائري الشقيق، لحوار أخوي لحل كل المشاكل العالقة، تحت عنوان “لا غالب ولا مغلوب “.

إنها أخلاق جلالة الملك وأخلاق الشجعان، ففي الوقت الذي يعرف فيه ملف مغربية الصحراء اهتماما واسعا واعترافات قوية من دول وازنة كان آخرها بريطانيا والبرتغال، واستثمارات ضخمة بالأقاليم الصحراوية، تعيش الجزائر عزلة اقليمية ودولية. ومع ذلك، فإن جلالة الملك يبحث عن حفظ ماء الوجه، ويرفع شعار لا غالب ولا مغلوب، وأن الاتحاد المغاربي لن يكون بدون المغرب والجزائر.

ارفع قبعتي لجلالة الملك محمد السادس على هذا الدرس الأخلاقي والسياسي الجديد، لأنه اثبت فعلا أن السياسة هي أخلاق أيضا.

د. عبد الله بوصوف

حول المؤلف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *