عيد الشباب في المغرب: استمرارية الدولة بين الرمزية الوطنية والدلالات السياسية والاجتماعية

king mohammed 6 v

يشكل عيد الشباب في المغرب، الذي يحتفل به الشعب المغربي في 21 غشت من كل عام والذي يتزامن مع تاريخ ميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، 1963، إحدى المحطات الوطنية البارزة التي تحتل مكانة خاصة في الذاكرة الجماعية للمغاربة. فهو ليس مجرد احتفال سنوي بعيد ميلاد الملك محمد السادس، بل هو مناسبة رمزية تحمل في طياتها دلالات عميقة ترتبط بالشرعية السياسية، والانتماء الوطني، والرهان على الشباب باعتبارهم مستقبل الأمة.
منذ اعتماده كعيد وطني عقب استقلال المغرب سنة 1956، ارتبط عيد الشباب بفكرة محورية تتمثل في تجديد العهد بين العرش والشباب، والتأكيد على أن الأجيال الصاعدة تمثل القوة الحية للأمة، والركيزة الأساسية لمشروعها التنموي والديمقراطي. وتزداد أهمية هذا البعد الرمزي إذا استحضرنا المعطيات الديمغرافية الراهنة، حيث تُظهر الإحصائيات أن المغرب يُعد من بين الدول القليلة التي يشكّل فيها الشباب النسبة الأكبر من مجموع السكان، بما يزيد عن 60%. وبناءً على هذا المؤشر، يُصنَّف المغرب ضمن ما يُعرف بـ”دول الشباب”، أي الدول التي تتمتع بقاعدة ديمغرافية فتية وطاقات بشرية واعدة، وهو ما يعزز التفاؤل بمستقبلها التنموي. وعلى النقيض من ذلك، توصف الدول التي يغلب فيها عدد المسنين على نسبة الشباب بـ”دول الشيوخ”، وهي غالبًا ما تواجه تحديات مرتبطة بالشيخوخة الديمغرافية وبطء النمو.
وإذ يتقاطع هذا العيد مع مناسبات وطنية أخرى كعيد العرش وعيد الثورة الملك والشعب، فإنه يعكس استمرارية المشروع الوطني الذي يجمع بين الشرعية التاريخية للملكية والرؤية المستقبلية التي يمثلها الشباب.

ينطلق هذا المقال من مقاربة تحليلية تسعى إلى دراسة عيد الشباب في المغرب من خلال أبعاده التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، مع إبراز رمزيته في المخيال الجماعي المغربي ودوره في بلورة العلاقة بين المؤسسة الملكية والمجتمع.

أولًا: الخلفية التاريخية لعيد الشباب في المغرب

ظهر عيد الشباب لأول مرة في عهد الملك محمد الخامس سنة 1956، في سياق استقلال المغرب عن الاستعمار الفرنسي والإسباني، حيث كان من الضروري خلق طقوس ورموز جديدة تواكب بناء الدولة الوطنية الحديثة. وقد اختار الملك الراحل أن يجعل من يوم ميلاده عيدًا للشباب، ليعكس من خلاله إرادة سياسية واضحة تربط المؤسسة الملكية بمستقبل الأجيال الجديدة.

خلال عهد الملك الحسن الثاني، اكتسب عيد الشباب أهمية متزايدة، إذ تحوّل إلى تقليد وطني يحتفل به الشعب المغربي سنويًا. ولم يكن الأمر مجرد تخليد لذكرى ميلاد الملك، بل كان مناسبة رسمية لإطلاق مبادرات وبرامج موجهة للشباب في مجالات التعليم والرياضة والثقافة. وكان الملك الحسن الثاني يولي عناية خاصة لهذا العيد باعتباره رمزًا للعلاقة المتجددة بين العرش والشباب، حتى وصفه بعض الباحثين بأنه “عيد الاستمرارية”.

مع تولي الملك محمد السادس العرش سنة 1999، حافظ عيد الشباب على مكانته المميزة، حيث بات مناسبة تعكس التحولات الجديدة التي يعيشها المغرب، لاسيما على مستوى الإصلاحات السياسية والدستورية، والرهان المتزايد على الشباب في التنمية.

 ثانيًا: البعد السياسي لعيد الشباب

يحمل عيد الشباب دلالات سياسية واضحة، يمكن قراءتها من زوايا متعددة:

  1. ترسيخ الشرعية الملكية:

يمثل عيد الشباب تجديدًا لشرعية المؤسسة الملكية باعتبارها الضامن لوحدة البلاد واستقرارها. فالاحتفاء بميلاد الملك يتجاوز الطابع البروتوكولي ليكرس رمزية الملكية كفاعل محوري في الحياة السياسية. وفي هذا السياق، يشكل العيد مناسبة لتعزيز العلاقة بين الملك والشعب، وخاصة فئة الشباب التي تُعد رهان المستقبل وركيزة التنمية. كما يعكس البعد السياسي للاحتفال صورة الملك كحَكَم أعلى فوق الخلافات، وضامن لاستمرارية الدولة. ومن ثم، يغدو عيد الشباب تعبيرًا عن شرعية متجددة تستند إلى التلاحم بين المؤسسة الملكية والمجتمع، وتجد في الشباب عنصرًا استراتيجيًا يربط الماضي بالحاضر والمستقبل.

  • الرهان على الشباب كمستقبل للأمة:
    يحظى الشباب بمكانة مركزية في الخطاب السياسي المغربي، حيث يؤكد الملك محمد السادس بشكل دائم على ان أن أي مشروع تنموي أو إصلاحي لن ينجح دون انخراط فعلي لهذه الفئة التي تشكل الكتلة الأكبر ديمغرافيًا. ومن هذا المنطلق، يغدو عيد الشباب مناسبة سياسية تتجاوز البعد الاحتفالي لتجدد التذكير بمكانتهم في السياسات العمومية، وبضرورة إدماجهم في التعليم والتشغيل وريادة الأعمال والمشاركة السياسية. فالخطاب الملكي ينظر إليهم كعمود فقري للمجتمع، إذ يمثلون القوة الدافعة نحو التقدم والابتكار في مختلف المجالات، كشركاء في صياغة مستقبل الأمة، لا مجرد مستفيدين من البرامج العمومية. كما يعكس هذا التوجه وعي الدولة بأهمية تأهيل الأجيال الصاعدة لمواجهة تحديات العولمة والتحولات الاقتصادية والثورة الرقمية، وهو ما يجعل من الشباب قوة إبداعية وفرصة تاريخية لتسريع التنمية وترسيخ مكانة المغرب إقليميًا ودوليًا. وهكذا، يصبح عيد الشباب تجسيدًا لرهان استراتيجي يربط مستقبل الأمة بقدرة الدولة على الاستثمار في طاقاتها الشابة.
  • عيد يوازي عيد العرش:

إذا كان عيد العرش يمثل تجسيدًا للبعد التاريخي والرمزي للعلاقة بين الملك والشعب، بما يحمله من دلالات الوفاء والولاء واستمرارية الدولة، فإن عيد الشباب يضيف إلى هذه الرمزية بُعدًا مستقبليًا. فهو لا يكتفي باستحضار الماضي وما يحمله من شرعية تاريخية، بل يفتح آفاقًا جديدة لتجديد الدولة من خلال الأجيال الصاعدة. ومن هذا المنطلق، يشكل عيد الشباب امتدادًا لعيد العرش، إذ يجمع بين الثبات والتجدد؛ بين الاستمرارية التي يمثلها العرش والتطلع للمستقبل الذي يجسده الشباب. كما يمنح هذا التوازي رمزية سياسية قوية تؤكد أن الملكية في المغرب ليست مجرد مؤسسة متجذرة في التاريخ، بل هي أيضًا مشروع مستقبلي يستند إلى طاقات الشباب وإبداعهم. وهكذا، يغدو العيدان معًا تجسيدًا لوحدة المسار الوطني: الماضي في خدمة الحاضر، والحاضر ممهِّد للمستقبل.

  • إطار لإطلاق المبادرات الملكية:

يشكل عيد الشباب إطارًا رمزيًا وعمليًا لإطلاق المبادرات الملكية، إذ كثيرًا ما يصادف الاحتفال الإعلان عن مشاريع تنموية واجتماعية جديدة تستهدف فئة الشباب بشكل مباشر. وتشمل هذه المبادرات مجالات متعددة، من تعزيز التعليم والتكوين المهني، إلى تطوير البنية التحتية الرياضية والثقافية، ودعم ريادة الأعمال والتشغيل. ويكتسب هذا التوقيت رمزية خاصة، إذ يربط بين الطابع الاحتفالي للعيد وبين الإجراءات العملية التي تعكس اهتمام الدولة بالمستقبل الشبابي للبلاد. كما يعكس التركيز على هذه الفئة حرص الملك على إشراك الشباب في مسار التنمية الوطني، وتقدير إمكانياتهم كرافعة للتغيير الاجتماعي والاقتصادي. ومن خلال هذا النهج، يصبح عيد الشباب مناسبة لتجديد الالتزام الرسمي تجاه الأجيال الصاعدة، مع تحويل الرمزية السياسية إلى أثر ملموس في حياة الشباب. وهكذا يغدو العيد منصة استراتيجية لإطلاق مبادرات تعزز التلاحم بين المؤسسة الملكية والمجتمع، وتؤكد مكانة الشباب كمحرك أساسي للتنمية الوطنية..

ثالثًا: البعد الاجتماعي والثقافي

إلى جانب رمزيته السياسية، يحمل عيد الشباب أبعادًا اجتماعية وثقافية مهمة:

  1. الهوية والانتماء:
    يشكل العيد لحظة لتعزيز الهوية الوطنية وتقوية روابط الانتماء لدى الأجيال الجديدة. إنه مناسبة لتذكير الشباب بتاريخهم وارتباطهم بالمؤسسة الملكية التي مثلت دائمًا رمزًا لوحدة الوطن.
  2. التجديد والاستمرارية:
    يربط عيد الشباب بين استمرارية الدولة المغربية وتجددها. فالملكية تجسد عنصر الثبات، فيما يمثل الشباب عنصر التغيير والتجديد.
  3. تعزيز قيم المشاركة:
    العيد يعكس أيضًا رغبة الدولة في دمج الشباب في الحياة العامة، عبر إشراكهم في النقاشات الوطنية حول التنمية والديمقراطية.
  4. البعد الثقافي والرياضي:
    غالبًا ما تقترن الاحتفالات بعيد الشباب بتنظيم أنشطة ثقافية وفنية ورياضية، مما يجعله مناسبة لإبراز الطاقات الإبداعية للشباب المغربي.

رابعًا: عيد الشباب في المخيال الجماعي للمغاربة

يحضر عيد الشباب في الذاكرة الجماعية للمغاربة باعتباره حدثًا وطنيًا يتجاوز الطابع الاحتفالي. ففي المخيال الجمعي، يرتبط هذا العيد بفكرة “العهد المتجدد” بين الملك والشباب، وهو ما يمنحه حمولة رمزية عميقة.
كما ينظر إليه كمناسبة للأمل والتفاؤل، حيث يتم ربط مستقبل الوطن بحيوية شبابه. وهذا ما يفسر استمرار مكانة العيد رغم التحولات الاجتماعية والسياسية التي عرفها المغرب خلال العقود الأخيرة.

 خامسًا: عيد الشباب والتحولات الراهنة

في السياق الراهن، يطرح عيد الشباب تحديات جديدة مرتبطة بمدى قدرة الدولة على تلبية تطلعات الشباب المغربي، لا سيما في مجالات البطالة والتعليم والهجرة. لم يعد العيد مجرد مناسبة احتفالية، بل أصبح لحظة للتفكير النقدي في السياسات العمومية الموجهة للشباب، وفرصة لتقييم مدى مواكبتها للتحولات الاقتصادية والاجتماعية الحديثة. وقد أكدت خطابات الملك محمد السادس على ضرورة إدماج الشباب في التنمية الوطنية، وتعزيز مشاركتهم في المؤسسات المنتخبة، ودعم مبادراتهم المقاولاتية. ويضاف إلى ذلك بعد آخر يرتبط بالتحولات التكنولوجية والرقمية، إذ يشدد الملك على أهمية تجهيز الشباب بالمهارات الرقمية، وتشجيع الابتكار التكنولوجي وريادة الأعمال في المجال الرقمي، بما يمكنهم من الاستفادة من اقتصاد المعرفة والانفتاح على فرص عالمية. ومن هذا المنطلق، يتحول عيد الشباب إلى أداة استراتيجية ليس فقط لتجديد الشرعية الرمزية للملكية، بل أيضًا لتوجيه السياسات العامة نحو الاستثمار الفعّال في طاقات الشباب، وتمكينهم من لعب دور محوري في صياغة مستقبل المغرب في ظل التحولات الرقمية والاقتصادية العالمية.

خاتمة

يُظهر تحليل عيد الشباب في المغرب أنه ليس مجرد احتفال رمزي بعيد ميلاد الملك، بل هو مؤسسة وطنية تحمل دلالات سياسية واجتماعية وثقافية عميقة. فهو يربط بين استمرارية الدولة وتجددها، ويعكس العلاقة المتجددة بين العرش والشباب، كما يشكل مناسبة لتجديد النقاش حول دور الشباب في التنمية والديمقراطية.
رمزية العيد تكمن في كونه لحظة تذكير بأهمية الاستثمار في الطاقات الشابة، باعتبارها الضامن الحقيقي لمستقبل المغرب. وإذا كان العيد قد تأسس في سياق بناء الدولة الوطنية الحديثة، فإنه اليوم يواجه تحديات جديدة تتطلب مقاربة شمولية تعيد الاعتبار للشباب في كل السياسات العمومية.
بهذا المعنى، يظل عيد الشباب حدثًا وطنيًا يتجاوز الطابع الاحتفالي ليشكل رافعة للتفكير في مستقبل المغرب، وفي العلاقة الحيوية بين الملكية والشباب باعتبارها جوهر الاستمرارية والتجدد في آن واحد.

حول الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *