قرية “تاغية”.. جوهرة الأطلس المنسية التي سحرت العالم

في قلب جبال الأطلس الكبير، وعلى ارتفاع يصل إلى 2000 متر فوق سطح البحر، تتربع قرية “تاغية” كجوهرة طبيعية فريدة، بعيدًا عن صخب المدن وضجيج الحياة الحديثة.
هذه القرية الأمازيغية، التابعة إداريًا لإقليم أزيلال بجهة بني ملال خنيفرة، لا تزال تحتفظ بطابعها الأصيل وتراثها العريق، مما يجعلها وجهة ساحرة لمحبي الطبيعة والمغامرة. على الرغم من عزلتها وصعوبة الوصول إليها، فقد اكتسبت شهرة عالمية بفضل طبيعتها الخلابة وموقعها الجغرافي الاستثنائي، لتتحول من مجرد قرية مغمورة إلى قبلة عالمية لهواة تسلق الجبال.
الطبيعة والتضاريس: سيرك طبيعي من الصخور

ما يميز “تاغية” هو تضاريسها الفريدة التي تشبه “السيرك” الطبيعي، حيث تحيط بها جدران صخرية هائلة من الحجر الجيري البرتقالي، والتي تشكل لوحات فنية منحوتة بفعل الزمن وعوامل الطبيعة. هذه الجدران الشاهقة لا تقتصر على جمالها البصري فحسب، بل هي السبب الرئيسي لشهرة “تاغية” بين متسلقي الجبال. تتخلل هذه الجبال وديان عميقة وشلالات متدفقة، مما يضفي على المكان سحرًا خاصًا. وتعد هذه المنطقة جزءًا من الأطلس الكبير الأوسط، وتتميز بمناخ متنوع، حيث يكون الصيف معتدلاً والشتاء ثلجيًا، مما يجعلها وجهة سياحية على مدار العام، خاصة لعشاق التزلج والمغامرات الجليدية.
شهرة عالمية في عالم التسلق
لم تكن “تاغية” معروفة لدى الكثيرين قبل سنوات قليلة، لكنها الآن تُعد واحدة من أفضل مواقع تسلق الجبال في العالم. تجذب صخورها الضخمة، ذات البنية الفريدة، محترفين وهواة من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم متسلقون عالميون بارزون مثل أليكس هونولد، الذي اختارها كمركز للتدريب. وتُطلق على المنطقة اسم “سيرك تاغية” ليس فقط بسبب شكلها، بل أيضًا لما توفره من مسارات تسلق متنوعة ومختلفة الصعوبة، تناسب المبتدئين والمحترفين على حد سواء. كل صخرة في “تاغية” لها اسم خاص، مما يدل على عمق ارتباط المتسلقين بهذا المكان.
الممر الأمازيغي: تحدٍ فريد من نوعه

أحد أبرز معالم “تاغية” وأكثرها شهرة هو “الممر الأمازيغي” (Passage Berbère)، الذي يُعتبر ثالث أخطر ممر جبلي في العالم، بعد ممر جبل هواشان في الصين وممر الملك الصغير في إسبانيا. هذا الممر، الذي يقع على ارتفاع 300 متر، يبلغ طوله حوالي 80 مترًا وعرضه متر واحد فقط. تم بناؤه من الحجارة والخشب من قبل شباب القرية في عام 2006 بمساعدة منظمة أمريكية، بهدف تسهيل مرور الرعاة وماشيتهم نحو مصادر المياه في الجبال. ورغم خطورته، فإن الممر أصبح نقطة جذب رئيسية للسياح ومحبي المغامرة، الذين يأتون لتجربة هذا التحدي الفريد والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الساحرة من الأعلى.

المجتمع المحلي: كرم الضيافة والعيش البسيط
يعيش سكان قرية “تاغية”، وهم من الأمازيغ، حياة بسيطة وتقليدية تعتمد بشكل أساسي على الزراعة وتربية الماشية. وتتميز هذه المجتمعات بكرم الضيافة وحسن الاستقبال، حيث يرحبون بالزوار بحفاوة ويعكسون دفء وثقافة المنطقة. منازلهم الطينية ومزارع القمح الصغيرة تضفي على القرية طابعًا أصيلاً، مما يوفر للزوار فرصة فريدة للتعرف على نمط حياة الأمازيغ بعيدًا عن مظاهر العصرنة. يلعب المجتمع المحلي دورًا حيويًا في توجيه السياح وتقديم الخدمات الضرورية، خاصة المرشدين الجبليين المتخصصين الذين يرافقون المتسلقين ويضمنون سلامتهم.
كيفية الوصول إلى القرية

يُعد الوصول إلى “تاغية” مغامرة بحد ذاتها، حيث لا توجد طرق معبدة تؤدي إليها مباشرة. يجب على الزوار الراغبين في الوصول إلى القرية التوجه أولاً إلى مدينة أزيلال، ثم إلى جماعة زاوية أحنصال. ومن هناك، تبدأ رحلة مشي على الأقدام تستغرق حوالي ساعتين إلى ساعتين ونصف، عبر مسارات جبلية وعرة. يتم حمل الأمتعة عادة على ظهور البغال. هذه الرحلة الشاقة تعتبر جزءًا من التجربة، حيث تمنح المسافرين فرصة للاستمتاع بالطبيعة البكر والمناظر الخلابة على طول الطريق. على الرغم من صعوبة الوصول، فإن المكافأة هي تجربة فريدة في قلب الطبيعة المغربية، بعيدًا عن كل ما هو مألوف.
في الختام، “تاغية” ليست مجرد قرية، بل هي مكان يجمع بين التحدي والجمال، بين الطبيعة البكر وروح المغامرة. إنها دعوة لاستكشاف عالم مختلف، حيث تتجسد عظمة الطبيعة في أبهى صورها، وتتلاقى المغامرة مع كرم الضيافة الأمازيغية الأصيلة.