غزة والفيتو: كيف يعري الصراع حدود مجلس الأمن؟

UN Security Counsil

د. عبد الفتاح عودة (أستاذ التعليم العالي سابقا بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء)

د. محمد الأمين البقالي الطاهري (أستاذ زائر بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان)

يعتبر مجلس الأمن الدولي الجهاز الدائم لمنظمة الأمم المتحدة، ويعمل نائبا عن أعضاء المنظمة في القيام بالواجبات الملقاة على عاتقه في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين، ويتمتع المجلس بسلطات واسعة في هذا المجال. وقد خوّل له الميثاق إنشاء لجان ضرورية لمساعدة في أداء مهامه، مثل لجنة الخبراء، واللجنة المعنية بقبول الأعضاء الجدد، ولجنة أركان الحرب، والتي تتكون من رؤساء أركان الدول دائمة العضوية لتقديم المشورة العسكرية للمجلس.

ويمكن للمجلس أن يمارس صلاحياته منفرداً أو بالاشتراك مع فروع أخرى في الأمم المتحدة، مثل:

 * معاونة فروع المنظمة: يقدم المجلس توصيات للجمعية العامة في مسائل محددة مثل قبول الأعضاء الجدد، إيقاف عضو أو فصله، وانتخاب الأمين العام وقضاة محكمة العدل الدولية.

 * تسوية النزاعات بالطرق السلمية: يفرض الميثاق على الدول المتنازعة اللجوء إلى الحل السلمي. ويحق للمجلس أن يدعو أطراف النزاع إلى حل خلافاتهم بالطرق السلمية، وإذا أخفقوا، يصبح لزاماً عليهم عرض النزاع على المجلس.

 * حالات تهديد السلم أو الإخلال به: في الحالات الخطيرة، يحدد المجلس ما إذا كان هناك تهديد للسلم أو عدوان، ويقرر التدابير اللازمة لإعادة الوضع إلى طبيعته.

فعندما تفشل الطرق السلمية، يمكن للمجلس أن يلجأ إلى إجراءات قسرية، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، وذلك عبر مراحل متدرجة:

 * تدابير مؤقتة: يدعو المجلس الأطراف المتنازعة إلى اتخاذ تدابير مؤقتة لمنع تفاقم الموقف، مثل وقف إطلاق النار.

 * تدابير غير عسكرية: إذا لم يمتثل الأطراف للتدابير المؤقتة، يمكن للمجلس أن يفرض تدابير قاسية لا تتطلب استخدام القوة المسلحة، مثل الحصار الاقتصادي، وقطع المواصلات والعلاقات الدبلوماسية. وقد استخدم هذا النوع من العقوبات ضد العراق بعد غزوه للكويت، وضد دول أخرى مثل سيراليون ولبنان.

 * استخدام القوات المسلحة: إذا فشلت التدابير غير العسكرية، يحق للمجلس أن يقرر استخدام القوة العسكرية، وينفذ هذه التدابير بمساعدة الدول الأعضاء، التي تلتزم بتقديم القوات والمساعدات اللازمة.

وعلى الرغم من صلاحياته الواسعة، يواجه مجلس الأمن انتقادات شديدة بسبب انتقائيته في التعامل مع الأزمات الدولية. فالبعض يرى أن تطبيق الفصل السابع من الميثاق على العراق بعد غزوه للكويت كان مدفوعاً باعتبارات سياسية مرتبطة بهيمنة الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد اتُهم المجلس بأنه أصبح أداة في يد بعض الدول الكبرى لتحقيق أهدافها السياسية، مثل ما حدث في العراق وأفغانستان (1).

تُعدّ سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل مثالاً على هذا الانتقاد، حيث استخدمت حق النقض (الفيتو) مرات عديدة لإفشال مشاريع قرارات تدين إسرائيل تخض القضية الفلسطينية. وهذا الاستخدام المتكرر لحق الفيتو يكشف عن هيمنة الولايات المتحدة على المؤسسة الدولية، واستخدامها أداة لتحقيق مصالحها الخاصة، مما ينتهك مبدأ سيادة الدول.

لذلك، تبقى مسألة إعادة النظر في الميثاق، وخصوصاً في هيكلية مجلس الأمن، مسألة حيوية لتحقيق التوازن بين المجلس والجمعية العامة، ولدمقرطة المنظمة الدولية.       

وضمن هذا التوجه فمن الملاحظ بأن هناك سيل من الانتقادات موجهة للولايات المتحدة الأمريكية ولسياستها اتجاه العدوان الإسرائيلي- الأمريكي على غزة، ففي رسالة مفتوحة قوية اللهجة وجهه أعضاء اللجنة القانونية العربية لملاحقة مجرمي الحرب في الكيان الصهيوني نداء عاجلا إلى اللجنة النرويجية لجائزة نوبل للسلام، داعية إلى رفض أي ترشيح للرئيس الأمريكي ترامب لنيل الجائزة لعام 2025 معتبرين أن هذا الترشيح ان تم سيشكل اهانة لروح الجائزة ومبادئها الإنسانية وتزكية لأحد أكبر رموز التحريض على الحرب والابادة” (2).

وأن سجل ترامب حافل بدعم الاحتلال الإسرائيلي دون شروط من بينها:

– دوره في عرقلة قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإيقاف الحرب على غزة.

– تحريضه على محكمة الجنايات الدولية وفرض العقوبات على قضاتها.

– دعمه المباشر لمجرمي الحرب وعلى راسهم بنيامين نتنياهو.

– تهديده الواضح للسلم العالمي ومحاولاته الحديثة لتأجيج نزاعات إقليمية قد تنذر بحرب عالمية ثالثة، كما أكدت الرسالة على القرارات القضائية الصادرة مؤخرا عن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ووصفتها بأنها ” سابقة تاريخية في كسر الإفلات من العقاب ومواجهة جرائم الحرب في فلسطين…” (3)

 ‏إن الموقف الأمريكي في مجلس الأمن الدولي يجسد الانحياز المطلق لإسرائيل ويعد مشارك في جرائم الإبادة في الحرب على غزة. ففي 4 يونيو 2025 استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بالوقف الفوري والدائم وغير المشروط لإطلاق النار في غزة قدمته الدول العشر غير دائمة العضوية بالمجلس، وإذ صوت لصالح مشروع القرار 14 عضوا في المجلس المكون من 15 عضوا، مما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف في وجه إرادة المجتمع الدولي والذي يمثل مجلس الأمن الجهاز التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة في المحافظة على السلم والأمن الدوليين، وقد بررت أمريكا ‏موقفها على لسان القائمة بأعمال المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة  Dorthy Shiban “أن الولايات المتحدة كانت واضحة، لن ندعم أي إجراء لا يدين حماس… أي قرار يقوض حليفتنا الوثيقة إسرائيل قرار مرفوض تماما…”(4)، وقد أوضح مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة “فو تسونغ” إلى أن نتيجة التصويت على مشروع القرار السالف الذكر يكشف مرة أخرى أن ” السبب الجذري لعجز مجلس الأمن عن تهدئة الصراع  في غزة هو العرقلة المتكررة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية…” (5)، إن واشنطن أساءت مرة أخرى استخدام حق النقض “الفيتو” لتطفئ بصيص الأمل لسكان غزة، مضيفا قوله أن:” احترام القانون الدولي الإنساني التزام يجب على جميع الأطراف الوفاء به… أي معايير مزدوجة أو تطبيق انتقائي لن يؤدي سوى إلى تآكل أسس سيادة القانون الدولي ويجب رفضه رفض قاطعا.” (6)

‏كما تجدر الإشارة إلى أن الاستخدام المفرط لحق النقض من قبل أعضاء مجلس الأمن الدائمين وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية يعرقل مهمته الأساسية المتمثلة في المحافظة على السلم والأمن الدوليين، فمنذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 إلى حدود فبراير- يونيو 2025، بلغ عدد مرات استعمال هذا الحق 293 مرة موزعة على الشكل التالي:

-الاتحاد السوفيتي ووريثته روسيا 143مرة.

– الولايات المتحدة الأمريكية 83 مرة.

-فرنسا 18 مرة.

-الصين 16 مرة.

‏وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الولايات المتحدة استخدمت حقا النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي حتى أبريل 2024، 46 مرة ضد قرارات تدين إسرائيل من أصل 83 مرة استخدمت فيها هذا الحق، وبشكل عام يمكن القول بأن الاستخدام المتكرر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والذي بلغ 46 مرة لصالح إسرائيل منذ عام 1948، وهو أكثر من أي دولة أخرى في العالم، هذا بالإضافة إلى خطوات أخرى لدعم إسرائيل خلال العدوان على غرة مثل:

–       تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار$ لإسرائيل.

–       عرقلة إصدار بيان من مجلس الأمن يدين العدوان الإسرائيلي على غزة.

–        الضغط على الدول العربية والإسلامية لعدم اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل.(7)

خاتمة:

 ان هذا الإخفاق المتكرر لمجلس الأمن ودوره في المحافظة على السلم والأمن الدوليين طرحت وبإلحاح  مسألة إصلاح هذا المجلس والذي يعد حالة جدا معقدة، إصلاح يرمي إلى تعديل هيكلي  فيعمل المجلس لجعله أكثر تمثيلا وفعالية في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتتضمن هذه الإصلاحات المقترحة عددا من القضايا تخص فئات العضويةوحق النقد الفيتو ومسألة التمثيل الإقليمي وحجم المجلس وأساليب عمله، إصلاح يرمي بشكل أو بآخر إلى زيادة شرعية المجلس وتحسين فعالية وتعزيز التعاون الدولي، إلا أن مسألة إصلاح مجلس الأمن تظل مسألة غاية في التعقيد لأن المسألة تتعلق بتعديل ميثاق الأمم المتحدة، والذي يتطلب موافقة الدول الأعضاء بالإضافة إلى جميع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهذا يتطلب بطبيعة الحال توافقا دوليا واسعا متعذراً الوصول إليه حاليا بسبب حجم التناقضات الموجودة بين دول العالم وخاصة بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن في إطار المحافظة على هذا الامتياز الذي خول لها في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتأسيس منظمة الأمم المتحدة.

 لائحة المراجع:

  • محمد الأمين البقالي الطاهري وعودة علي عبد الفتاح، المنظمات الدولية، دراسة تأصيلية لمنظمة الأمم المتحدة، سليكي أخوين، طنجة، 2021.
  • د. مروان لمعشر، تغييرات جذرية لدى الجيل الأمريكي الجديد اتداه إسرائيل… جريدة القدس العربي 23/ 06/ 2025 لندن.
  • نبيل بكاني، لجنة قانونية عربية تنشط في ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين…. جريدة رأي اليوم الالكترونية 08 / 08/ 2025 لندن.

(4) “The United States has been clear: We would not support any measure that fails to condemn Hamas…”

بحسب ما صرّحت به القائمة بأعمال المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، Dorothy Shea، وذلك قبل استخدام الفيتو في التصويت في مجلس الأمن الدولي في 4 يونيو .2025

 (5) “The root cause of the council’s inability to quell the conflict in Gaza is the repeated obstruction by the US.”

تصريح مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، Fu Cong، تعليقًا على نتائج التصويت على مشروع القرار المذكور.

(6) -انظر أيضا : موقع الأمم المتحدة، أخبار الأمم المتحدة منظور عالمي قصص إنسانية بتاريخ 26 سبتمبر 22‏/4‏/2024 زيارة في 25 في 8‏/8‏/2025. 

   (7)  بالرغم من أن القانون الدولي يصرخ بالانتهاكات أيضا، فاتفاقيات جنيف الرابعة تحضر صراحة تجويع المدنيين كأسلوب حرب ونظام روما الأساسي يد رج الحرمان المتعمد من الغذاء كجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، بل أن محكمة الجنايات الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لاستخدامهما التجويع سلاحا والذي يستهدف تدميرا جسديا جزئيا لمجموعة سكانية محددة، وهذا مايا يحدث في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ ما يزيد عن 22 شهراً (انظر/ د. خالد الشقران غزة وصمة عار في جبين الإنسانية، جريدة الرأي الأردنية 06/08/2025. عمان)

د. عودة عبدالفتاح
د. محمد الأمين الطاهري البقالي

حول الكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *