القمة العربية الإسلامية في قطر.. كيف كانت استثنائية؟!!

كسابقاتها من القمم، انتهت القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في العاصمة القطرية الدوحة، ولسان حال الشعوب الإسلامية من جاكرتا إلى الرباط يردد قولا واحدا: “تمخض الجبل فولد فأرا”!! لقد ساهمت هذه القمة “عديمة الجدوى” في تأكيد جملة من الحقائق، لمن لا زال بحاجة إلى تأكيد، وهم أقلية على كل حال. سنعرض إليها سريعا قبل أن نقرر أهم الأمور التي شهدتها هذه القمة، وجعلتها تستحق صفة “استثنائية”!
أول الحقائق التي أكدتها هذه القمة، بأن الأمل والرجاء في قدرة النظام الرسمي العربي والإسلامي، والعربي على وجه التحديد، لا يعدو كونه سرابا، وسحابات صيف لا تحمل مطرا ولا تصلح حتى ليستظل بها. ونعني بالقدرة هنا مطلق الكلمة عندما يتعلق الأمر بالفعل، أي فعل، وليس فقط الوقوف في وجه العربدة الإسرائيلية. فهذه الدول، فرادى وجماعات، عاجزة عن مواجهة إسرائيل وردعها، وعن حل خلافاتها البينية، وعن الانخراط في أي سياسة منسقة في أي شأن سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي، بل وحتى رياضي! ونقصد بعجزها أساسا، غياب الرغبة والإرادة، أكثر مما هو غياب للقدرة. ثاني هذه الحقائق يقول بأن استمرار عقد هذه القمم يرجع إلى أمر أساسي، هو البقاء حاضرين في وسائل الإعلام، حتى نؤخر إعلان وفاة هذه المنظومة، أما من يتوهم بأن الزعماء العرب والمسلمين يعقدون قممهم ليقولوا لشعوبهم أنهم لا يزالون أحياء، فمردود عليه منذ زمن بعيد، بأن هذه الشعوب متأكدة بأنه لا وزن لها في حسابات القادة والزعماء، وأنهم ليسوا عنصرا موجها لسياسات بلادهم، كما أنهم متأكدون من غياب إرادة زعماء هذه المنظومة للقيام بأي فعل جماعي منسق، في أي شأن كان.
ثالث هذه الحقائق هي أحقية العاهل المغربي الملك محمد السادس في نيل لقب “حكيم العرب”، إذ أنه أدرك مبكرا عبثية المشاركة في هذه القمم، ولذا قرر مقاطعتها منذ قرابة عشرين عاما، دون استثناء، أيا كان موضوعها ومكان انعقادها. هذا الموقف المعبر عن الصدق مع النفس والمغاربة، وعدم الانخراط في هذه “الأسواق” الموسمية للكلام المرسل، غير ذي العلاقة مع الفعل والإنجاز، جعله يكسب احترام شعبه، وباقي الشعوب التي تشاطره الموقف من هذه القمم الفارغة من المحتوى.
ثالث الحقائق يقول بأن المعني الوحيد بهذه القمم هي وسائل الإعلام حصريا، بعد أن فقدت شغف الشعوب العربية والإسلامية بمتابعتها، ناهيك عن استخفاف باقي دول العالم، صغيرها وكبيرها، بقراءة ما يصدر عنها من بيانات ختامية، لا تستحق أكثر من خبر في جملتين. أما مرجع استمرار اهتمام وسائل الإعلام العربية تحديدا بهذه القمم، فيعود حصريا إلى رغبة المراسلين الذين يغطونها في الحصول على إجازة مدفوعة، مع إقامة فندقية، وفرصة متاحة للتواصل مع أقرانهم من وسائل الإعلام، تجديدا للصلات أحيانا، وبحثا عن تحسين وضعهم الوظيفي أحيانا أخرى!
أما لماذا استحقت هذه القمة صفة “استثنائية”، فنسجل على رأس القائمة خلو البيان الختامي من كلمة “قررنا ما يلي:”!! ففي سابقة دولية ربما، خلا البيان الختامي لاجتماع القادة العرب والمسلمين من قرار واحد، يبرر ما أنفقته قطر على استضافتهم! لقد جرت العادة أن يشتمل البيان الختامي لأي قمة على جزئين: واحد يهم الحيثيات، وآخر يهم ما بني عليها من قرارات، فتأتي بصيغة: وإذ يؤكد القادة على…؛ وإذ يسجل القادة …؛ وإذا يندد المجتمعون بـ …..؛ وإذ يشدد الزعماء على …؛ وإذا يدعو المجتمعون إلى …؛ وإذ يستنكر القادة ….: ليتلوها: وبناء على ما سبق، فقد قرروا ….. أما في هذه القمة “الاستثنائية”، فقد اكتفى المجتمعون بالنصف الأول من البيان الختامي، وأغفلوا متعمدين الانتقال إلى الشق الثاني من البيان، مكتفين بتأكيد التأييد لما ستتخذه قطر من خطوات، وهو قطعا ما لن يحدث، لا من جانب قطر أو من جانب المتضامنين معها!
ثاني هذه الاستثناءات، فهي خلو البيان الختامي أو كلمات القادة من أي إشارة تفيد بالمقصود من جملة “يعلنون تضامنهم مع قطر..”!! وهكذا، انتهت القمة ونحن لا ندري ما المقصود بالعبارة، ولا ماهية التضامن ومجالاته، ولا توقيته ومآلاته، ولا أهدافه وآلياته!! وهذا يقودنا إلى ثالث أوجه الاستثناء، حيث سجل بون شاسع بين كلمات الرؤساء الحاضرين، التي حمل بعضها إشارات، خجولة حينا، ومبهمة أحيانا، حول ما يمكن إدخاله في خانة الفعل، والدعوات المتكررة إلى تنسيق الجهود والخطوات الهادفة للرد على العربدة الإسرائيلية؛ فلماذا خلا البيان الختامي من أي جملة بهذا الخصوص، وكأن هذا البيان قد تمت صياغته للتعبير عن خلاصات كلمات الرؤساء في قمة أخرى غير المجتمعين بصددها!!
لقد انتهت القمة كما بدأت، مجرد جعجعة إعلامية كبيرة، دون أن نرى “طحينا”؛ وكانت بحق “مندبة حامية، والميت فأر”! وهي النتيجة المتوقعة على أي حال، والتي تلقي بظلال كثيفة من الشك على مستقبل كثير من الأنظمة الحاضرة، في مواجهة شعوبها بالتحديد. أما المواجهة مع إسرائيل، فلم نكن بحاجة لتأكيد كبيري جامعة الدول العربية، الأمين العام ومساعده، بأن الوقت ليس مناسبا للعمل العربي المشترك، ومن باب أولى تفعيل مبدأ “الدفاع العربي المشترك” لغياب اتفاق المجتمعين على “عدو مشترك”!! هل بعد هذا الوضوح مجال لأي شك في إفلاس المنظومة برمتها، وصواب قرار بعض الدول، وعلى رأسها المغرب، في استمرار العمل من أجل تحصين أمنها واقتصادها “بطريقتها الخاصة”، دون انتظار التنسيق مع باقي “الأشقاء”!! لأنه ببساطة، وكما يقال في الدارجة المغربية الشعبية: “ما كاينش معا من”!!