المغرب يوطّد سيادته في الصحراء والجزائر تغرق في العزلة الدبلوماسية

كتب: محمد أعزوز (كاتب وصحفي مغربي)
في خضم التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة والعالم، يبرز المغرب كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة، لا سيما في ملف الصحراء المغربية. هذه الديناميكية تتجلى بوضوح في تنامي الدعم الدولي لمواقفه، كان آخرها الموقف البرتغالي الواضح، الذي جاء ليؤكد متانة الرؤى الاستراتيجية للمملكة، ويعزز من مسارها نحو ترسيخ سيادتها الكاملة. على النقيض، تتفاقم عزلة النظام العسكري الجزائري، وتتوالى هزائمه الدبلوماسية والاستراتيجية، مما يعكس تآكل نفوذه على الساحة الدولية.
لقد جاء الدعم البرتغالي الكامل للمبادرة المغربية للحكم الذاتي ليكون بمثابة صفعة مدوية للنظام الجزائري، ويكشف عن تراجع نفوذ جنرالاته على الساحة الدولية، حتى في أوساط الحلفاء التقليديين. هذا الموقف البرتغالي الصريح، الذي أُعلن في بيان مشترك مع المغرب يوم الثلاثاء الموافق 22 يوليو 2025، يؤكد على ضعف الموقف الجزائري في مواجهة مسار التسوية السياسية الذي يقترحه المغرب، ويُرسّخ قناعة دولية بأن العالم لم يعد يحتمل المغامرات الخاسرة أو الأطروحات الانفصالية التي لم تجلب سوى الخراب والفرقة.
أكد الجانب البرتغالي على الأهمية الكبيرة التي توليها البرتغال لهذه القضية بالنسبة للمغرب، مشيدًا بالجهود “الجادة” التي تبذلها المملكة في إطار الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من جميع الأطراف. كما جدد الطرفان دعمهما لقرار مجلس الأمن رقم 2756، الذي يؤكد على ضرورة السعي إلى حل سياسي بناءً على التوافق بين الأطراف. يعكس هذا الموقف تنامي الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 كحل عملي وجدي للنزاع الإقليمي، ويحظى بترحيب واسع في المحافل الدولية والإقليمية، مما يزيد من شرعيتها ومصداقيتها.
يمثل إعلان البرتغال عن دعمها الكامل لمبادرة الحكم الذاتي المغربية انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا للمغرب، يحمل في طياته دلالات عميقة تعزز من مكانة المبادرة على الصعيد الدولي. فدعم دولة أوروبية بارزة مثل البرتغال، العضو الفاعل في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، يعطى زخماً قوياً لمصداقية المبادرة التي طرحها المغرب عام 2007، إذ يؤكد هذا الموقف توافق المبادرة مع القوانين الدولية وتلبيتها لتطلعات المجتمع الدولي في تحقيق حل سياسي عملي وواقعي. بهذا الدعم، يتم دحض المزاعم التي تروجها الجزائر حول عدم شرعية المبادرة، مما يؤكد تعاظم الاعتراف الدولي بالمقترح المغربي.
تأتي هذه الخطوة البرتغالية في إطار استمرار تنامي الدعم الدولي لقضية الصحراء المغربية، حيث سبقتها دول مؤثرة ومواقف رسمية عديدة من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا إلى جانب عدد من الدول الأفريقية والعربية التي أعربت عن تأييدها، مما يدل على نجاح المغرب في تحويل القضية من نزاع إقليمي تغذيه أطراف خارجية إلى قضية تحظى بقبول واسع كجزء لا يتجزأ من السيادة المغربية. ولا يقتصر هذا الدعم على المستوى السياسي فقط، بل يترجم أيضًا في تثمين الجهود المغربية في السعي لتحقيق سلام دائم، إذ أشادت البرتغال بالجهود الجادة التي يبذلها المغرب في إطار الأمم المتحدة، وهذا يعكس بوضوح التزام المملكة بالشرعية الدولية والرغبة الحقيقية في التوصل إلى حل عادل يعكس مصالح جميع الأطراف، على عكس تلك الجهات التي تستمر في عرقلة هذا التوجه.
وبالتوازي مع ذلك، يسهم الموقف البرتغالي في تعزيز العلاقات الثنائية الاستراتيجية بين المغرب والبرتغال، حيث تجمعهما مصالح مشتركة ومتعددة في مجالات الأمن والتجارة والهجرة. ويُعد هذا الدعم فرصة لتوسيع آفاق التعاون بين البلدين، مما يعزز الشراكة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط ويُهيئ الأرضية لتعاون أعمق في المستقبل.
إن النجاح الذي تحققه الدبلوماسية المغربية في هذا الملف يعكس استراتيجية متوازنة وحصيفة، قادها الملك محمد السادس بشكل واعٍ وواضح. فقد قدم المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل وسط يراعي سيادة الدولة ويضمن في الوقت ذاته حقوق السكان المحليين، وهذا التوازن جعل الرؤية المغربية تحظى بقبول دولي واسع لأنها تجمع بين الواقعية والمرونة، على عكس البدائل الأخرى التي تعتبر غير قابلة للتطبيق مثل الانفصال. بالإضافة إلى ذلك، نجح المغرب في تنويع شراكاته الدولية ببراعة فائقة، فبناء تحالفات قوية مع دول كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، فضلاً عن دعم العديد من الدول الأفريقية والعربية، أسهم في إضفاء شرعية أوسع على المبادرة المغربية، وهو ما يمكن ملاحظته بوضوح من خلال الدعم البرتغالي، الذي يغلّي من زخم الدعم الأوروبي لهذه القضية.
كما استثمر المغرب موقعه الجيوستراتيجي بذكاء لفرض نفسه كشريك موثوق به في منطقة المغرب العربي والبحر الأبيض المتوسط، خاصة في مجالات حساسة مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، مما جعل الدول الأوروبية، ومن بينها البرتغال، ترى في دعمه مصلحة استراتيجية مشتركة مستحقة. إضافة إلى ذلك، عزز المغرب دبلوماسيته الاقتصادية من خلال تعزيز حضوره في القارة الإفريقية وعلى الصعيد العالمي، حيث توفرت فرص كبيرة للتعاون التجاري والاستثماري مع العديد من الدول، خاصة في ظل تنامي الاستثمارات المبذولة في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو ما يُرسخ بشكل مباشر الربط بين المصلحة الاقتصادية والسيادة الوطنية.
يعد دعم البرتغال انعكاس لـتطابق الرؤى بين البلدين في العديد من القضايا الاستراتيجية، وأبرزها الملف المشترك لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2030 رفقة إسبانيا. هذه الاستضافة الثلاثية تمثل قمة التنسيق الاستراتيجي، ففي حين يعكس دعم البرتغال للمغرب في قضية الصحراء ثقة متبادلة، فإن العمل المشترك على تنظيم حدث عالمي بهذا الحجم يؤكد على عمق العلاقة وحجم المصالح المشتركة.
المغرب، من جانبه، يستثمر في هذه الاستضافة لتعزيز مكانته كقوة إقليمية محورية، لا سيما في علاقته بأوروبا وإفريقيا. هذه الاستراتيجية الطموحة لا تقتصر على الجانب الرياضي فحسب، بل تمتد لتشمل البنية التحتية، السياحة، وتعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية. إنها رؤية مستقبلية تهدف إلى دمج المغرب بشكل أكبر في الاقتصاد العالمي، وتكريس مكانته كبوابة بين القارتين. هذا التكامل الاستراتيجي يعكس مثانة الرؤى التي تجاوزت مجرد العلاقات الثنائية إلى مشاريع كبرى ذات أبعاد عالمية.
على النقيض من النفوذ المغربي المتزايد، يعاني النظام العسكري الجزائري من عزلة دبلوماسية خانقة تجعله يقتصر في علاقاته على دول ذات ثقل سياسي واقتصادي محدود، وهو تراجع يتزامن مع تصاعد الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية بثقة وثبات. من هذا المنطلق، أثبت النظام الجزائري فشله الواضح في قضية الصحراء، حيث يتجلى هذا الفشل في تمسكه بموقف غير واقعي ومعزول يدفعه للاستمرار في دعم جبهة البوليساريو ومطالبها الانفصالية، رغم أن هذا الموقف فقد شرعيته دوليًا. فالمجتمع الدولي، بما في ذلك البرتغال، يرى في مبادرة الحكم الذاتي المغربية الحل الأكثر مصداقية، مما يفضح عجز الجزائر في تقديم بدائل عملية أو رؤية استراتيجية واضحة.
تتفاقم العزلة الدبلوماسية للجزائر بشكل متزايد ومهين، وهو ما يتجلى بوضوح في دعم البرتغال للمغرب، إذ يعكس ذلك تراجع نفوذ الجزائر حتى في المحافل الدولية التقليدية التي كانت تحظى بدعمها. إذ فشلت الجزائر في حشد تأييد دولي كافٍ، وأصبح موقفها محصورًا في عدد محدود من الدول التي لا تتمتع بثقل سياسي أو اقتصادي كبير، ما يؤكد بشكل جلي تآكل مصداقيتها الدولية. إلى جانب ذلك، يواصل النظام الجزائري إهدار الموارد وتبديد ثروات الشعب من خلال إنفاقه الهائل على دعم جبهة البوليساريو، في وقت يعاني فيه الجزائريون من أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة، وهو ما يعكس سوء إدارة حاد للأولويات الوطنية وتكريسًا للفشل المستمر.
فضلاً عن ذلك، تفقد الجزائر مصداقيتها على المستوى الدولي نتيجة تمسكها برفض قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالملف، مثل القرار 2756 الذي يدعو إلى حل سياسي توافقي، مما يصورها كطرف معرقل وغير بناء في مساعي الأمم المتحدة، على عكس المغرب الذي يلتزم بالأطر الأممية ويسعى إلى حلول سلمية عادلة. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالنظام العسكري الجزائري يستغل القضية لأغراض داخلية رخيصة، مستخدمًا قضية الصحراء كأداة لصرف الانتباه عن مشكلات داخلية مستعصية مثل الفساد المتفشي والقمع السياسي الممنهج. هذا النهج بات مكشوفًا للعيان، حيث يدرك المجتمع الدولي أن الجزائر ليست طرفًا محايدًا بل طرفًا يغذي النزاع لخدمة مصالح سياسية ضيقة، على حساب أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
إن الموقف البرتغالي يمثل انتصارًا دبلوماسيًا جديدًا للمغرب، يعزز شرعية مبادرة الحكم الذاتي ويكرس مكانة المغرب كشريك موثوق دوليًا. يكمن نجاح الدبلوماسية المغربية في استراتيجيتها الواقعية، تنويع شراكاتها، واستغلال موقعها الجيواستراتيجي ببراعة. هذا النجاح لا يقتصر على القضية الإقليمية، بل يمتد ليشمل مبادرات كبرى مثل استضافة كأس العالم 2030، التي تجسد تطابق الرؤى بين المغرب وحلفائه، وتؤكد على مثانة الرؤى الاستراتيجية للمملكة نحو المستقبل.
في المقابل، يعاني النظام العسكري الجزائري من عزلة متزايدة وفشل في تقديم رؤية بديلة أو حلول عملية، مما يجعله عاجزًا عن مواجهة الزخم الدولي الداعم للمغرب. يعكس هذا الموقف اختلال التوازن لصالح المغرب في إدارة هذا النزاع، مع استمرار تعزيز سيادته على أقاليمه الجنوبية، بينما تظل الجزائر حبيسة أوهام الماضي وسياسات العداء المدمرة، مفوتة بذلك فرص الاندماج الإقليمي والتنمية المشتركة.
