المغرب يطوي صفحة التدبير ويباشر مقاربة التغيير

كتب: د. عبد الله بوصوف (مؤرخ، أمين عام مجلس الجالية المغربية بالخارج)
تحدثنا أكثر من مرة عن بصيرة جلالة الملك محمد السادس، وعن بعد نظره وعمق استشرافه للأحداث. ولم يكن منطلق حديثنا مغلفا بوطنية جارفة، أو بتغليب عاطفة انتماء كاذبة، بل كنا نثبت ذلك بلغة الأرقام و وشواهد الواقع، التي تسقط كل التكهنات والاخبار الزائفة معروفة المصدر!
نقول هذا و نحن نتأمل بكل عمق الاحداثيات الجديدة الخاصة بملف الصحراء المغربية، من وحي التحول من “التدبير الى التغيير”، الذي يستلهم خطاب افتتاح الدورة التشريعية لأكتوبر من سنة 2024، عندما قال جلالته: “لقد قلت، منذ اعتلائي للعرش ،اننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية من مرحلة التدبير الى مرحلة التغيير ، داخليا و خارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف؛ ودعوت كذلك للانتقال من مقاربة رد الفعل، الى اخد المبادرة و التحلي بالحزم و الاستباقية…”.
لكن دعوني أشارككم…وقوفي أولا عند دلالات هذا التحول في المقاربة و الأبعاد، وتعدد فضاءات الاشتغال بين الداخل والخارج، وثانيا عند رمزية توقيت هذا الانتقال من مقاربة رد الفعل، الى أخذ المبادرة و الاستباقية.
وهنا أيضا لا مجال للصدفة و لا مكان للارتجال. إذ أن كلمة السر في كل تـلك الانتصارات الديبلوماسية، والدينامية الايجابية في ملف مغربية الصحراء، هي القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس.
أعتقد أن إعلان جلالة الملك عن نهاية مقاربة وبداية أخرى، هو دعوة جديدة للبحث و الدراسة في أسباب نجاحنا وتفوقنا، رغم كل المكائد و الشراك التي حاكها النظام العسكري الجزائري، في عتمة الليل وفي الغرف المقفلة والحدائق الخلفية.
فعقيدة عداء النظام الجزائري للمغرب، دفعته دفعا ليس لعقد صفقات السلاح او احتضان ميليشيات ارهابية لتدريب شرذمة المرتزقة فحسب، بل لشراء الأصوات و الأقلام و حتى تقارير المنظمات الغير الحكومية، وهو ما تكلمنا عنه أكثر من مرة، واسهبنا في تفكيك معادلات المؤامرة والوحل الإعلامي، من أجل تشويه صورة المغرب بالخارج.
وذات الوقوف لتأمل مقاربة التغيير الجديدة، يدفعنا لإعادة قراءة الصورة وكذا مسلسل الاحداث من زاويا جديدة، ويضعنا أمام حقيقة مهمة وهي نجاح مرحلة التدبير، بفضل العبقرية والديبلوماسية الملكية.
لقد حاول النظام العسكري الجزائري إنهاك المغرب بكل ما أوتي من أموال سونطراك، وصنع لنفسه سردية من العالم الموازي للحقيقة. في ذات الوقت كان المغرب يتقدم بكل ثقة في ملف الصحراء المغربية، مع تحديده لسقف لا يمكن تجازوه، أي مبادرة الحكم الذاتي، وأن الصحراء هي أم القضايا المغربية، وأنه لا يتفاوض بشأنها أبدا.
لكن دعونا نسجل بعض معارك مرحلة التدبير، حين تكالبت على المغرب تقارير منظمات غير حكومية، للتشويش على مبادرات المغرب لحل قضيته الوطنية الأولى، سواء عند تقديمه مبادرة الحكم الذاتي في ابريل من سنة 2007، أو عند العودة للبيت الافريقي في سنة 2017، وما تلا ذلك من اعترافات دولية وازنة ( ثلاثة منها تتوفر على حق الفيتو) وفتح مقرات قنصلية بمدن الصحراء المغربية، وتطور قرارات مجلس الأمن الدولي المكلف حصريا بالنظر في القضية.
لقد دفع النظام الحاقد ببعض المنظمات غير الحكومية الى تسويق أسماء مغربية، وترشيحها لنيل جوائز مع مصاحبة إعلامية مدفوعة الثمن، مع حرص مهندسي الشر الجزائري على توظيف بعض الاحداث الداخلية وفق هندسة سكن الشيطان في العديد من تفاصيلها، وفصلت على مقاس غايات محددة، ومنها التشويش على المغرب وتهديد استقراره، وتشويه صورته بالخارج.
فكانت البداية بالمدعوة ” امينتو حيضرة “، وهي مواطنة تحمل جواز سفر مغربي، وتسكن في إحدى مدن الصحراء المغربية، وتتمتع بجميع الحقوق المدنية و السياسية. لكن بحثها عن الاصطدام المجاني بالسلطات المغربية، ورفعها لشعارات معادية، لم يكن مجانيا، بل تم ترشيحها لنيل أكثر من جائزة باسم الدفاع عن حقوق الإنسان، بترشيحها لجائزة ساخروف سنة 2005، وجائزة خوان مارية باندريس بمدريد سنة 2006، و Silver Rose award سنة 2007، من طرف منظمة التضامن النمساوية، ثم جائزة روبير كنيدي للعدالة و حقوق الانسان سنة 2008.
كل هذا الضجيج الحقوقي و الإعلامي المنظم سيتوج بأحداث “مخيم إكديم ازيك ” في أكتوبر 2010، ورفع شعار حقوق الإنسان بالصحراء المغربية، حيث كان رد المغرب قويا أمام مؤسسات القضاء و المحاكمة العادلة، وفتح فروع المجلس الوطني لحقوق الانسان بكل من العيون و الداخلة، والإعلان عن مشارع تنموية ضخمة، كالميناء الأطلسي بالداخلة، والطاقة النظيفة ومحطات تحلية المياه.
عودة المغرب للبيت الافريقي سنة 2017، أقضت مضجع النظام العسكري، وجعلته يضاعف الجهود سواء بتوظيف أحداث الريف من أجل زعزعة استقرار المغرب، من خلال تمويل حملة إعلامية مفضوحة لتسويق حدث ترشيح “الزفزافي ” لجائزة ساخروف من طرف البرلمان الأوروبي، كحدث حقوقي و إنساني لسنة 2018، أو بإعادة ترشيح “امينتو حيضرة ” لجائزة نوبل البديلة، من طرف منظمة سويدية سنة 2019، ونيلها مبلغ 200 الف أورو.
المثير للسخرية في هذه العملية، هو البيان المشترك بين تلك المنظمة السويدية Right livelihood، وكينيدي للعدالة و حقوق الإنسان حول شخص ” امينتو حيضرة”.
الجدير بالانتباه في هذه المسرحية الحقوقية والإعلامية، هو اعتمادها على جوائز ذات رمزية حقوقية و سياسية عالمية، من خلال اختيار جائزة نوبل البديلة بالسويد أولا، و التي تتزامن مع جائزة نوبل للسلام، وهو ما يعني استغلال المتابعة الاعلامية و توظيفها للنيل من صورة المغرب بالخارج، و”جائزة ساخروف ” ثانيا، من طرف البرلمان الأوروبي، الذي كان في مفاوضات اتفاق الفلاحة و الصيد البحري، وتسخير منظمة بريطانية من أجل رفع دعاوي قضائية حول الصحراء المغربية، ثم مؤامرة الوحل الإعلامي من خلال بيغاسوس و قضية “قطرغيت”، وجائزة روبير كينيدي للعدالة و حقوق الانسان ثالثا، من خلال توظيف اسم عائلة صاحب الجائزة وحزبه الديمقراطي، وأيضا ولايات الديمقراطيين بيل كلينتون وباراك أوباما.
يظهر جليا من خلال كل هذا، أن النظام الجزائري لم يكن يهدف من خلال شراءه أو دفعه بمنظمات حقوقية الى إصدار تقارير أو تخصيص جوائز، إلى الرفع من حقوق الانسان بالمغرب، بل كان يهدف الى زعزعة استقرار البلاد، من خلال استغلال ملفات حقوق الانسان، وأهالينا في الريف، و عرقلة تنمية الأقاليم الصحراوية.
لقد كان الرد المغربي حكيما و عميقا، من خلال الإعلان عن مبادرات اقتصادية واجتماعية وسياسة قوية، كأنبوب نيجيريا المغرب للغاز، والمبادرة الملكية الأطلسية، وتطوير البنية التحتية القوية للأقاليـــم الصحراوية المغربية.
كما كان الرد قويا و رادعا من خلال عملية معبر الكركرات، وتأمين القوات المسلحة الملكية لمرور السلع و الشاحنات والرياضيين بين الحدود المغربية /الموريتانية، في نوفمبر من سنة 2021، بعد عربدة مرتزقة البوليساريو وعرقلتهم لعمليات المرور.
فلغة الواقع و النتائج و الأرقام تقول، أن العبقرية الملكية كانت اقوى من كل تلك المؤامرات التي باءت جميعها بالفشل، وأعلن الملك في خطابات سامية أن لا أحد يمكنه ايقاف الدينامية الايجابية لملف الصحراء، لنمر الان الى مرحلة جديدة وهي التغيير بعد مرحلة التدبير المليئة بالتحديات و المؤامرات و التجييش، لإضعاف صورة المغرب بالخارج، والمؤسسة الملكية وإمارة المؤمنين.
الكرة الآن في ملعب الدبلوماسية الموازية، والنخب و مغاربة العالم، لأخد المبادرات الاستباقية بكل الجرأة الممكنة في ملف مغربية الصحراء، لأن خصوم الوحدة الترابية والوطنية ينتظرون فقط لحظات الاسترخاء، ولا عزاء للحاقدين.