بعد قمة قطر الاستثنائية.. المغرب يخرج أقوى في وجه دعاية “مناهضي التطبيع”!!

على الرغم من مرور أكثر من أسبوع على القمة العربية الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في قطر، لا تزال بعض الأقلام “الإسلاموية” و “القومجية” وبقايا اليسار القديم، والتي تجمعها “خيمة مناهضة التطبيع” تواصل الغمز في قناة الدول التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وتحديدا الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية. وبدلا من توجيه سهام نقدها إلى المنظومة الرسمية العربية والإسلامية برمتها، على ما أظهرته من عجز وتشرذم، وعدم القدرة أو الرغبة في الاتفاق على أقل من الحد الأدنى من العمل المنسق، ركزت في اليومين الأولين على الإشادة “بنجاح القمة” و “بحالة” التضامن التي أظهرها المجتمعون تجاه قطر، والتي لا نعرف كيف نترجمها أو نفهم الأسس التي بنيت عليها، باستثناء أنها خطابات بنبرات متفاوتة، وأصوات تعلو هنا وتخفت هناك، لكنها تجتمع في خلوها من المعنى، بما فيها كلمة المضيف المعني “بالليلة” على رأي إخواننا المصريين، ونقصد بها دولة قطر.
لكن، ولأن جميع “معارك” هذه القبيلة، ونقصد مناهضي “التطبيع” لا تختلف في شيء عن معارك النظام الرسمي العربي الذي ينتقدونه، لجهة اعتمادها الخطابات الفارغة وسيلة للفعل، فقد أسفرت سريعا عن وجهها الكالح، وبدأت في توجيه سهام النقد، وتصفية الحسابات مع الدول الأربع المذكورة آنفا، بحجة مضحكة تقول أن القمة “وضعت هذه الدول المطبعة في موقف محرج أخلاقيا وسياسيا!!”، وأنه يتحتم عليها بعد “القمة المظفرة” أن تسارع إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل وسحب سفرائها من دولة الكيان الصهيوني. ولأنه لا يعنينا الرد نيابة عن الدول “المطبعة” جميعها، فلديها من الأقلام ما يكفي لمواجهة الموجة المنسقة التي تتهجم عليها، فسنكتفي بإيراد بعض الملاحظات الخاصة بالمملكة المغربية الشريفة.

بداية، فلا حاجة لتذكير الأقلام التي انبرت للتهجم على المغرب، بأن المملكة الشريفة مثلت حالة فريدة بين جميع الدول التي لديها علاقات معلنة مع إسرائيل، أو تلك التي لا تحتفظ بمثل هذه العلاقات، لجهة السماح للرأي العام المحلي بالتعبير بمطلق الحربة عن مواقفه التضامنية مع الشعب الفلسطيني ومأساة غزة (للأمانة يمكن إضافة اليمن إليها، وتحديدا في مناطق سيطرة الحوثيين، دون نسيان الأردن). وهكذا، شهدت المملكة المغربية أكبر عدد من التظاهرات والاحتجاجات التضامنية، بأكبر حشود على مستوى العالم كله وليس فقط العرب والمسلمين، دون أن تتعرض قوات الأمن لأي متظاهر، أو يشعر أي مواطن ممن كانوا في الشارع بأي نوع من التهديد. هذا الأمر لم يكن مفاجئا، لأن هذا ديدن المغاربة الذين يعتبرون القضية الفلسطينية شقيقة القضية الوطنية (مغربية الصحراء). ولم يختلف هذا الأمر قيد أنملة، سواء قبل قيام العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل عام 2020 أو قبلها. بمعنى أوضح، أن العلاقات الرسمية هي شأن الحكومة، وتخضع لمنطق إدارة الدولة، بينما التضامن الشعبي مع فلسطين ومأساتها هو شأن الشارع، وتخضع لمنطق التضامن الأخوي الإنساني والوطني في آن.

كما انه من نافل القول أن نذكر بأن أنجع حملات إيصال المساعدات إلى قطاع غزة، والتي تجاوزت ست حملات، كانت رسمية مغربية، وبأوامر من ملك البلاد شخصيا، ونجحت في إيصال المساعدات عبر المعابر البرية، دون أن تتمكن حكومة المتطرفين الإسرائيلية من منع صندوق مساعدات واحد من الوصول!! وللأمانة أيضا نذكر بأن الأردن كانت الدولة الثانية التي نجحت في إيصال مساعدات إلى أهل القطاع المنكوب، مع بعض المساعدات التي ألقيت من الجو من قبل الإمارات العربية المتحدة ومصر. ولا يعني ما سبق بأي حال أن هذه المساعدات كانت كافية لمنع المجاعة في غزة، لكنها تقول بوضوح أن “الدول المطبعة” هي التي ترجمت تضامنها مع غزة بطريقة عملية، بعيدا عن “العنتريات الخطابية” التي كانت هي كل ما وصل أهل غزة من الدول والمجموعات المناهضة للتطبيع!
وبالعودة إلى قمة الدوحة الاستثنائية، واعتبارنا أنها، وعكس ما تدعي “قبيلة مناهضة التطبيع” التي من ضمنها أطراف محلية مغربية بطبيعة الحال، ساهمت في تكريس تمسك الدولة المغربية بسياستها الحالية، ولا تشكل بأي حال، أي نوع من الإحراج السياسي والأخلاقي. كيف ذلك؟

لقد أظهرت قمة الدوحة، وقبلها القمم العربية والإسلامية العادية والاستثنائية التي عقدت منذ بدء “طوفان الأقصى”، أن المنظومة الرسمية العربية والإسلامية، هي أبعد ما تكون من الاتفاق حول الحد الأدنى مما يمكن اعتباره مصلحة عليا مشتركة، وأن كل بلد من البلدان ال 57 الإسلامية (ومن ضمنها الدول العربية ال 22، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية نفسها) تجتهد في البحث عن مصالحها الشخصية، وليس لديها أي استعداد للبحث عن مصلحة مشتركة، عربية كانت أو إسلامية. هذا الامر لا ينطبق فقط على المجال السياسي، بل والاقتصادي والإنساني والثقافي والرياضي وغيرها. فلماذا يطلب من المغرب (وغيره من الدول التي تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل) أن تضحي دون بقية الدول ال 53 الأخرى بمصالحها الذاتية، على “مذبح” المعركة القومية التي لا يوجد أدنى استعداد للدول “غير المطبعة” للانخراط فيها؟!
وبالعودة إلى المغرب، فهناك سؤال حائر نتحدى أن يجد إجابة لدى أي “جهبذ” من جهابذة مناهضة التطبيع: ما الضرر الذي ألحقته العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل بالقضية الفلسطينية أو بأهل غزة، حتى تصح المطالبة بقطع هذه العلاقات لإيقاف هذا الضرر؟! ونرجو أن لا تكون الإجابة تكرار الأكاذيب التي برع فيها بعض الإسلامويين حول ميناء طنجة “الذي يساهم في إيصال السلاح الذي يستخدم في إبادة غزة” أو “تكريم المغرب لقائد سلاح الجو الإسرائيلي الذي أصدر أوامر قتل عائلة الدكتورة آلاء النجار”، لأن حجم التلفيق والتدليس الذي استخدم في نشر الدعايتين قد أصبح مثالا على سلوك من ينتسبون للإسلام، دون أن يمتلكوا أدنى أخلاقياته في نزاهة التعامل مع المختلف، تبعا لقوله تعالى “لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى” وقوله “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم”، وهي المعاني التي لا نلمس لها أي أثر في كل ما يصدر عن قبيلة مناهضة التطبيع، وتحديدا إسلاموييها!!
كخلاصة، فالتناغم الحاصل بين منطق الدولة المغربية، ومنطق الشارع المغربي، واتحادهما -مع اختلاف الوسائل ومجالات الحركة- على محاولة تقديم ما يمكن من مساعدة للشعب الفلسطيني المنكوب وقضيته العادلة، هي مما لا يحتاج مغربي واحد للبرهنة عليه أو تبريره. وما الحملات الإعلامية التي تحاول النيل من وحدة الشعب ونظامه، والثقة القائمة بين عاهل البلاد وشعبه، إلا تعبير يائس عن العجز عن مواجهة هذا “الاستثناء المغربي”. وعليه، ستستمر الدولة المغربية في السير في استراتيجيتها لاسترجاع مكانة المملكة الشريفة التاريخية، وتقوية المغرب إلى الحد الذي تجعله عصيا على الابتزاز والتهديد من القوى العظمى في العالم، وسيستمر الشعب المغربي بمختلف أطيافه ومكوناته (بما فيه سلطاتهم الرسمية) في تقديم كل عون ممكن لأشقائهم الفلسطينيين، يتقدمون صفوف التضامن، ويتصدرون الجهات الداعمة بما يملكون من مقدرات، غير آبهين بالحملات المنسقة التي تستهدف هذا التماسك، الراسخ منذ قرون يصعب حصرها.