هل ينجح “الأخوة الأعداء” في تجاوز خلافاتهم وتحدي الهيمنة الأمريكية؟!

اختتمت في مدينة تيانجين الصينية، قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” التاريخية، التي اعتبرها كثير من المراقبين بمثابة “ولادة ثانية” للمنظمة بعد 24 عاما على ولادتها. الأهم من بيان القمة الختامي، والذي كان موضع تتبع واهتمام جميع المراقبين الدوليين، لاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا، وحلفائهما، هو محاولة استشفاف ما يفيد بأن “الأخوة الأعداء”: الصين وروسيا والهند، قادرون فعلا على طي صفحة خلافاتهما الثنائية، وفتح صفحة تعاون حقيقي تسهم في التعجيل بولادة نظام عالمي جديد، بعيدا عن الهيمنة الأمريكية تحديدا، والغربية بشكل عام. ويجمع المراقبون والخبراء في أبرز مراكز الأبحاث الدولية، بأن السياسات الارتجالية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تسهم بشكل حاسم في دفع “طابور المتضررين” إلى الجلوس معا، ومحاولة تنحية خلافاتهم جانبا، والتصدي المشترك لسياسات ترامب العدائية، والتي اتخذت عنوان “الرسوم الجمركية”. لكن قبل محاولة الإجابة على سؤالنا المركزي، لنلق نظرة مختصرة على المنظمة.

تأسست منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001 كمنظمة متعددة الأطراف تهدف إلى تعزيز التعاون السياسي، الاقتصادي، والثقافي بين دول آسيا الوسطى. تم إنشاء المنظمة في ظل اهتمام متزايد بالأمن والاستقرار في المنطقة، وذلك نتيجة للصراعات الإقليمية والتهديدات الإرهابية. الأعضاء المؤسسون للمنظمة هم الصين، وروسيا، وكازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان. منذ ذلك الحين، انضمت دول أخرى إلى المنظمة (الهند، باكستان، إيران، وبيلاروسيا)، مما ساهم في توسيع نطاق تأثيرها ونشاطها.
الهدف الأساسي لمنظمة شنغهاي للتعاون هو تعزيز الأمن والرفاهية الاقتصادية عبر التنسيق بين الدول الأعضاء لمواجهة التحديات الأمنية، بما في ذلك الإرهاب والتطرف والانفصالية. تسعى المنظمة أيضاً إلى تعزيز التعاون الاقتصادي من خلال مشاريع مشتركة وتسهيل حركة التجارة والاستثمار بين الأعضاء. بالإضافة إلى ذلك، تركز المنظمة على العمل الثقافي والاجتماعي الذي يشجع على الحوار بين الحضارات المختلفة.
على الصعيد الدولي، تلعب منظمة شنغهاي للتعاون دورًا متزايد الأهمية في السياق الجيوسياسي، حيث تعكس الرغبة في تحقيق توازن جديد في القوى العالمية. لقد شهدت المنظمة تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك عقد قمة سنوية تجمع القادة من الدول الأعضاء، حيث يتم تناول مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الأهمية. تساهم هذه الاجتماعات في تعزيز المصالح المشتركة وتحقيق أهداف الأمن والسلام في المنطقة، وتسليط الضوء على التحديات التي تواجه الدول الأعضاء.
إضافة لدول المنظمة الأعضاء العشرة، كان هناك إطارين للعضوية غير الكاملة: عضوية مراقب (منغوليا وأفغانستان) وعضوية “شريك حوار”، التي تضم دول الخليج العربية الخمسة (باستثناء عمان)، المالديف، ميانمار، نيبال، كمبوديا، سريلانكا، لاوس، إضافة لأرمينيا وأذربيجان وتركيا، والدولة الأفريقية الوحيدة مصر. هذه الدول ال17 تم دمجها خلال القمة لتصبح في فئة واحدة (شريك منظمة شنغهاي للتعاون).
ورغم أن الهدف الرئيسي للمنظمة هو مكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية، إلا أنه يؤخذ عليها أنها لا تقدم مساعدة تذكر عندما يتعرض أحد أعضائها لتهديد، كما حصل في حالة الحرب الإسرائيلية الإيرانية، أو الصراع الهندي الباكستاني، أو الحرب الروسية الأوكرانية، ليبقى التعاون الاقتصادي هو المجال الأبرز للتعاون بين دول المنظمة، من خلال تحسين التجارة البينية، وتنسيق السياسات الزراعية، وتعزيز الاستثمارات المتبادلة. من خلال هذه الأنشطة، تسعى المنظمة إلى خلق بيئة مواتية للنمو الاقتصادي، وهو ما من شأنه أن يخدم الأهداف التنموية للدول الأعضاء.
أما الهدف الذي يوجد “في الظل”، فيخص محاولة بناء نظام عالمي متنوع يتجاوز الهيمنة الغربية، من خلال سعي منظمة شنغهاي للتعاون لتقديم نموذج للتعاون الإقليمي القائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مما يسهم في تحقيق توازن في العلاقات الدولية. من خلال دمج الجهود الأمنية والاقتصادية، يتمثل الهدف الأسمى للمنظمة في تعزيز مستقبل آمن مزدهر ومتكامل لجميع الأعضاء. وهذا يعكس رغبة الدول الأعضاء في مأسسة التعاون كوسيلة لتعزيز السيادة وتحقيق التنمية المستدامة.
هل ينجح “الأخوة الأعداء” في تجاوز خلافاتهم؟
تعود العلاقات بين الصين والهند وروسيا إلى عدة عقود، وقد كانت محاطة بالعديد من التوترات والخلافات التي ساهمت في تشكيل الديناميات الإقليمية والدولية. ورغم التاريخ المشترك لهذه الدول، والذي يتضمن التعاون في مجالات متعددة مثل الاقتصاد والأمن، إلا أن التوترات السياسية والعسكرية كانت تهيمن على العلاقات بينهم. على سبيل المثال، شهدت الحدود الصينية والهندية مواجهات تعتبر بمثابة نقطة فارقة في العلاقات الثنائية، مما أثر سلباً على التعاون الإقليمي في بعض الأحيان.
من جهة أخرى، تعتبر روسيا في هذا المثلث قوة محورية تلعب دوراً في تهدئة التوترات بين الطرفين. تاريخياً، كانت موسكو تسعى للحفاظ على توازن القوى مع الحفاظ على علاقات قوية مع كل من بكين ونيو دلهي. وهذه الديناميات تعكس الحقائق الجيوسياسية المتغيرة التي نشأت نتيجة للصراعات الإقليمية والدولية. لفهم كيف تؤثر هذه العلاقات على التعاون المستقبلي، ينبغي دراسة المصالح المشتركة التي قد تدفع هذه الدول إلى تجاوز خلافاتها. فما هي أبرز محطات الاختلاف والالتقاء بين هذه الدول؟
الصين والهند:

ملف الخلاف الرئيسي بين الصين والهند هو النزاع الحدودي، وهو نزاع معقد له أبعاد تاريخية وجغرافية.
الحدود المتنازع عليها: الخلاف يتركز بشكل أساسي على منطقتين:
أكساي تشين (Aksai Chin): منطقة قاحلة وغير مأهولة تقع في الغرب. تسيطر عليها الصين وتعتبرها جزءًا من إقليم شينجيانغ، بينما تطالب بها الهند كجزء من إقليم لاداخ. هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية للصين لأنها تضم طريقًا يربط بين إقليمي شينجيانغ والتبت.
أروناجل براديش (Arunachal Pradesh): منطقة تقع في الشرق، جنوب “خط مكماهون” الذي تم ترسيمه خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية في عام 1914. لا تعترف الصين بهذا الخط وتعتبر أروناجل براديش جزءًا من جنوب التبت.
حرب 1962: تصاعد التوتر حول هذه الحدود إلى حرب صينية-هندية قصيرة ولكن عنيفة في عام 1962. انتهت الحرب بانتصار صيني، لكنها تركت “خط السيطرة الفعلية” (Line of Actual Control) الذي لا يزال نقطة توتر مستمرة وتشهد مناوشات دورية بين القوات من الجانبين، كان أبرزها الاشتباك الدامي في وادي جالوان عام 2020.
أبعاد أخرى: يتجاوز الخلاف الحدودي الجانب الإقليمي ليشمل:
قضية التبت: الهند منحت اللجوء للدالاي لاما والعديد من اللاجئين التبتيين، مما يثير غضب بكين التي تعتبر التبت جزءاً لا يتجزأ من الصين.
العلاقات مع باكستان: تعتبر الهند أن العلاقة الاستراتيجية بين الصين وباكستان، والتي تشمل التعاون العسكري والاقتصادي، تشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصةً مع مرور مشروع “الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني” عبر أراضٍ متنازع عليها في كشمير.
الصين وروسيا

الصين وروسيا
على الرغم من الشراكة الاستراتيجية الحالية، إلا أن العلاقات بين الصين وروسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً) مرت بفترة طويلة من العداء والخلافات، أبرزها:
الخلاف الأيديولوجي: بعد وفاة ستالين في عام 1953، بدأ التوتر الأيديولوجي بين الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف والزعيم الصيني ماو تسي تونغ. انتقد ماو “التحريفية السوفيتية” وتخفيف الموقف الماركسي-اللينيني، بينما اعتبر خروشوف سياسات ماو متطرفة. هذا الانقسام الأيديولوجي أدى إلى انشقاق علني في المعسكر الشيوعي.
النزاعات الحدودية: لم يقتصر الخلاف على الأيديولوجيا، بل شمل نزاعات حدودية تاريخية.
التوسع الروسي في الشرق الأقصى: استولت الإمبراطورية الروسية في القرنين التاسع عشر والعشرين على مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تابعة لإمبراطورية تشينغ الصينية المنهارة.
صراع الحدود السوفيتي-الصيني عام 1969: تصاعد التوتر إلى اشتباكات عسكرية قصيرة ولكن خطيرة على طول الحدود، خاصةً في جزيرة جينباو (دامانسكي) على نهر أوسوري. هذا الصراع دفع الدولتين إلى حافة الحرب ودفع الصين إلى التقارب مع الولايات المتحدة، مما أدى إلى زيارة نيكسون التاريخية لبكين في عام 1972.
التنافس الجيوسياسي: كان هناك تنافس مستمر بينهما على النفوذ، خاصة في آسيا الوسطى، خلال فترة الحرب الباردة وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث سعت كلتا الدولتين لملء الفراغ الذي خلفته موسكو.
روسيا والهند
على عكس الصين والهند، فإن العلاقات بين روسيا والهند اتسمت تاريخياً بـ التحالف الوثيق والثقة المتبادلة، وليس بالخلافات. وقد ترسخ هذا التحالف خلال فترة الحرب الباردة ويستمر حتى اليوم.
العلاقة خلال الحرب الباردة:
تبنت الهند سياسة “عدم الانحياز”، لكنها مالت بشكل كبير نحو الاتحاد السوفيتي.
كان الاتحاد السوفيتي المورد الرئيسي للأسلحة إلى الهند، خاصةً خلال حروبها مع باكستان.
استخدم الاتحاد السوفيتي حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لدعم موقف الهند بشأن قضية كشمير في عدة مناسبات.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي: استمرت العلاقات القوية بين البلدين، على الرغم من تراجع العلاقات الاقتصادية لفترة.
تعد روسيا اليوم أكبر مورد للأسلحة والمعدات العسكرية إلى الهند.
هناك تعاون واسع في مجالات الطاقة النووية والفضاء والدفاع.
موقف الهند من الحرب في أوكرانيا، حيث لم تدن الغزو الروسي بشكل صريح، يبرز عمق علاقاتها مع موسكو.
سياسات ترامب وتأثيراتها الإيجابية والسلبية
تعتبر سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أبرز العوامل التي أثرت على المشهد الدولي، ومن بينها العلاقات بين الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون. اتسمت هذه السياسات بالتحول إلى “أمريكا أولاً”، مما أدى إلى إعادة تقييم بعض العلاقات الخارجية. ورغم أن هذا النهج كان له بعض الفوائد من حيث تعزيز المصالح الوطنية الأميركية، إلا أنه أحدث أيضاً توترات مع بعض الدول، بما في ذلك الأعضاء في منظمة شنغهاي.
على مستوى التأثير الإيجابي، يمكن رؤية بعض جوانب التعاون بين الصين والهند وروسيا كاستجابة طبيعية للسياسات الأمريكية. تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الكبرى ساهم في تعزيز التحالفات القائمة. دول منظمة شنغهاي، التي تشمل الصين وروسيا والهند، أصبحت تدرك أهمية الوحدة والتعاون في مواجهة الضغوط الأمريكية. كما أن توجهات ترامب نحو فرض عقوبات تجارية على خصومه الصينيين، بل وحلفائه الهنود على السواء، قد حفزت الاقتصادات الأعضاء في منظمة شنغهاي على تكوين شراكات تجارية أكثر صلابة فيما بينها.
ومع ذلك، فإن السياسات الأمريكية كانت لها تبعات سلبية أيضاً. فقد أدت سياسة الانسحاب من العديد من الاتفاقيات الدولية إلى تفاقم انعدام الثقة بين الولايات المتحدة والدول الأخرى. كما أن تصاعد الخطاب القومي والحمائي في الولايات المتحدة قوبل بردود فعل من قبل الأعضاء في منظمة شنغهاي، مما عكس الرغبة في تعزيز السيادة الوطنية. هذا الاضطراب في العلاقات الدولية أدى إلى تعقيدات جديدة، إذ أصبح التعاون بين الدول الكبرى يعتمد بشكل متزايد على عدم الثقة في النوايا الأمريكية، مما أثر على فعالية التعاون ضمن منظمة شنغهاي.
الواقع الحالي للتعاون بين الصين والهند وروسيا
يعتبر التعاون بين الصين والهند وروسيا أحد أبرز عناصر الديناميات الجيوسياسية في منطقة آسيا الوسطى. تحت مظلة منظمة شنغهاي للتعاون، تسعى هذه الدول إلى تحقيق أهداف متعددة منها تعزيز الأمن، والتجارة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. في السنوات الأخيرة، تم تنفيذ مجموعة من المبادرات التي تعكس الجهود المشتركة، مثل مشروعات البنية التحتية والشراكات الاستثمارية. على سبيل المثال، يجري العمل على تطوير مشاريع الطاقة ووسائل النقل التي تربط بين هذه البلدان، مما يسهل التجارة ويعزز التكامل الاقتصادي.
علاوة على ذلك، تُظهر التقييمات القطاعية أن التعاون يمتد إلى مجالات مثل الأمن الرقمي ومكافحة الإرهاب. تمثل التدريبات العسكرية المشتركة جزءاً من هذا التعاون الذي يعكس الالتزام بتعزيز الأمن الإقليمي في مواجهة التحديات العالمية. هذه الأنشطة العسكرية ليست مجرد تدريبات، بل تعزز من قدرة هذه الدول على حماية مصالحها الوطنية في ظل الظروف المتغيرة.
على الرغم من ذلك، فإن التحديات تبقى قائمة. تشير بعض الدراسات إلى أن العلاقة بين الدول الثلاث قد تتعرض للاختبار بسبب الاختلافات الثقافية والاقتصادية. وتستمر التوقعات بشأن تحقيق نتائج ملموسة من هذه الشراكات في التفاعل، حيث يعتمد نجاح هذه المبادرات على التنسيق الفعّال والمستدام. بشكل عام، لا يزال هناك اعتقاد بأن التعاون بين الصين والهند وروسيا في منظمة شنغهاي للتعاون يمكن أن يساهم في استقرار المنطقة وتحقيق السلام والتنمية.
التحليل الجيوسياسي للعلاقات الثلاثية
تعتبر العلاقات بين الصين والهند وروسيا محوراً حيوياً في النظام الجيوسياسي العالمي، حيث تتجلى في إطار منظمة شنغهاي للتعاون. تعكس هذه العلاقات تطوراً استراتيجياً يتجاوز المصالح الثنائية، إذ تسعى الدول الثلاث إلى تعزيز تعاونها في المجالات الاقتصادية والأمنية. هذا التعاون يعد وسيلة لتعزيز النفوذ الإقليمي في ظل الأوضاع الجيوسياسية المتغيرة التي تشهدها الساحة الدولية.
تشكل هذه العلاقات الثلاثية تهديداً محتملاً للقوى الكبرى الأخرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي. فمن جهة، تقوم هذه الدول بالتعاون من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق السياسات الخارجية، مما يزيد من فعاليتها في التعامل مع التحديات العالمية. من جهة أخرى، تتحرر الصين والهند وروسيا من الهيمنة التقليدية التي كانت تفرضها القوى الغربية، مما يعكس تحول موازين القوى على الصعيد الدولي.
يُنظر إلى هذه الشراكة على أنها منصة لتعزيز النهج متعدد الأطراف في حل النزاعات، حيث تسعى الدول الثلاث للحد من تأثير القوى الغربية في الشؤون العالمية. فعلى سبيل المثال، التعاون بين الصين وروسيا في مجال الطاقة، والهند مع الشركاء الآخرين، يعكس كيفية تكامل المصالح الاقتصادية لتلك القوى الثلاث. هذا التكامل يعزز أيضاً من صورة منظمة شنغهاي للتعاون كمنصة فعالة لتنسيق السياسات الأمنية ومواجهة التحديات المشتركة.
إن العلاقات الصينية-الهندية-الروسية تخلق بديلاً جذرياً للتعاون الإقليمي وتدعم ظهور قوة ثلاثية قادرة على مواجهة التحديات العالمية، مما يدل على أهمية التحليل الجيوسياسي في فهم ديناميكيات هذه العلاقات وتأثيرها على النظام الدولي، لاسيما مع احتواء دول المنظمة على نصف سكان الكرة الأرضية، وإنتاج دولها لربع الناتج المحلي الإجمالي، وكونها قطبا للطاقة والمعادن النادرة.
هل سينجح الأخوة الأعداء في التغلب على خلافاتهم؟
إن مستقبل التعاون بين الصين والهند وروسيا في إطار منظمة شنغهاي للتعاون يبقى موضوعًا ذا أهمية متزايدة نظرًا للعوامل الجيوسياسية المتغيرة في العالم. تتسم العلاقات بين هذه البلدان بالتعقيد، حيث تغلب عليها بعض التوترات التاريخية والمصالح المتضاربة. ومع ذلك، هناك أيضًا جوانب مشتركة يمكن أن تؤسس لتعاون مثمر.
تعتبر منظمة شنغهاي للتعاون منصة فعالة تشجع على الحوار والتعاون في مجالات متعددة مثل الأمن الاقتصادي والتنموي. في السنوات الأخيرة، أظهر كل من الصين والهند وروسيا رغبة متزايدة في التعاون ضمن هذه الإطار، مما يشير إلى إمكانية تجاوز الخلافات. ومع ذلك، تظل هناك تحديات تواجه هذا التعاون، منها نزاعات الحدود بين الصين والهند وسياستها العسكرية المختلفة.
على الرغم من العوائق الحالية، تعكس بعض المؤشرات السلبية السابقة والتي تم التغلب عليها في مجالات أخرى من التعاون، إمكانية نجاح الدول الثلاث في تخطي الخلافات. يعتبر الاقتصاد أحد العوامل الرئيسية التي يمكن أن تلعب دورًا بارزًا في تعزيز التعاون. ففي ظل التحديات الاقتصادية العالمية وزيادة المنافسة الأمريكية، يمكن للصين والهند وروسيا تعزيز أهداف التنمية المستدامة من خلال تعزيز آليات التعاون الإقليمي.
تلعب العوامل الإقليمية والدولية والإرادة السياسية دورًا أساسيًا في تشكيل مستقبل التعاون بين هذه الدول الكبرى. من المهم تهيئة بيئة تجذب الشركاء وتعزز المساعي المشتركة. بينما يمكن أن تكون الخلافات العديدة عائقًا، فإن التعاون الاستراتيجي واستغلال الفوائد الاقتصادية المشتركة قد يوفر طرقًا مبتكرة لتجاوز تلك العقبات.
ختاما، فإن محاولة الإجابة على السؤال المركزي السابق من خلال تاريخ العلاقة وتعقيداتها بين الصين وكلا من الهند وروسيا سيقود لاستبعاد نجاح محاولة صنع قطب موازي للغرب، لكن، إذا نظرنا للموضوع نظرة مستقبلية، وحكمنا على تعاون الأقطاب الثلاثة بمنطق المصلحة المشتركة، و”العدو المشترك” المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تضاعفت عدائيتها خلال الشهور القليلة الماضية، مع دخول دونالد ترامب للبيت الأبيض؛ واستنادا على الأجواء التي سادت القمة في تيانجين، فإن الإجابة الإيجابية ستجد لها مكانا. صحيح أن هناك نقاط ضعف هيكلية لدى هذه الدول مجتمعة في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، لكن لديها أيضا نقاط قوة تمكنها من الطموح إلى رؤية عالم متعدد الأقطاب، يدفن عصر الأحادية القطبية، وينهي الرهان كذلك على عصر الثنائية القطبية (أمريكا/ الصين).